بدأت ” مجزرة” الدعاية الانتخابية و معا التسقيط السياسي بكل أشكاله الطائفية و المذهبية و الحزبية و الشخصية و ايضا اللاوعي ، فالأنظار موجهة صوب المقعد البرلماني و مغرياته لا خدمة المواطن أو المحافظة على هيبة البلاد ومنع التدخل في شؤونها، فقد أثبتت التجربة أن العكس هو الصحيح، فالذي ترضى عنه عواصم الجوار يتحول الى “ظاهرة” يمكن اطلاق كل الأوصاف عليها الا الوطنية.
ونحن هنا لا نزايد على الآخرين، فهناك اشخاص يجتهدون بالمسموح لهم من سلطات أو مناورة في التشريع، بعد ان تحولت الفردية الى علامة مميزة في أداء الدولة العراقية ” الديمقراطية تحت الرماد” ، لكن في المقابل الغالبية العظمى يلهثون وراء الجاه ” المصطنع” الذي يستند الى ركيزتين ” السحت و البلعوم الطائفي”.
ما يميز الأوضاع في العراق انعدام التجربة السياسية ومفاهيم العمل الديمقراطي، لأن القائمين على دفة الحكم لم يتعودوا سماع الرأي الأخر، فغالبيتهم تربوا في مدارس الطغيان و الانغلاق لذلك يتصرفون بازدواجية تظهر على عيونهم و حركة ايديهم وابتسامتهم المفقودة، ما يستحيل معه انتظار الفرج من بين قراراتهم، التي غالبا ما تتماشى و باطنية سلوكياتهم..
أما الطبقة الثانية فحافظت على نصف الثقافة الغربية في التعامل الهاديء وعدم الذهاب بعيدا في السلب و النهب من الأموال و أرواح بني البشر، لذلك لم نسمع عن فضائح فساد كبيرة لدى ” ابناء العوائل” الذي يخافون بدرجات متفاوتة على سمعتهم، عكس غيرهم ممن يصف المال و المنصب و النفاق ” سيرة ذاتية “تبدأ عام 2003.
سيتقاتل المرشحون بكل الأسلحة غير العراقية، و سيحاولون تصفية بعضهم قبل ربع الساعة الأخير، سنسمع خطابا طائفيا بامتياز و نشر غسيل يخجل منه الغريب، و وعود يأنف من سماعها المجنون، انها معركة كسر العظم بكل المقاييس، فكيف نوهم أنفسنا بتغيير ما!!خاصة و أن ” الحيتان الكبيرة” باشرت مهمة امتصاص دماء المواطنين باغراءات مالية و التزامات ترابية تتطاير مع أول صندوق اقتراعي منهوب!!
متى يتعلم السياسيون في العراق من تجارب غيرهم، أحزاب كبيرة تتنافس تحت ضوء الشمس، وعندما تفقد شرعيتها بتصويت المواطن ضدها تنسحب في وضح النهار، لأنها اعترفت بفشلها في خدمة الشعب، و التجربة الفرنسية بالأمس شاهد جميل على ذلك، رئيس الوزراء الاشتراكي يستقيل بعد ساعات من اعلان النتائج و يذهب الى بيته كمواطن عادي، لتحل شخصية أخرى في المسؤولية ” تتعض” بتجربة غيرها، بينما في العراق لا يتعضون من فشلهم و لا يخجلون من عدم دستورية مناصبهم، وهنا يأتي دور المواطن في استيعاب الدرس و طرد السياسي الفاشل من السباق الوظيفي بعدم التصويت له، ومعها أيضا المطالبة بالغاء المناصب التعويضية، أي في منع مكافأة المهزوم بتزكية رئيس القائمة أو الحزب و الجماعة.
ليس المهم أن يذهب العراقيون بكثافة الى صناديق الاقتراع، ولن يكون دورهم مؤثرا أذا وقفوا في طوابير طويلة لاختيار الأرقام الانتخابية، الواجب الوطني و المسؤولية التاريخية تقتضي موقفا جديدا يبدأ في تفحص عراقية المرشح ليس في الأوراق الثبوتية بل في التوجهات الحقيقية، و العودة الى الوراء لاستحضار الوعود ” الهزلية” والمواقف ” الأعتباطية” في الطائفية و التسويف و الخداع، و بعد ذلك وضع الصوت في مكانه الصحيح، ومعه الخطوة الأولى على طريق التغيير، فأرقام القوائم هي تزكية لمرشحين في غير محلها، كما أن الأعتقاد بأن طائفة او كتلة دون غيرها أحق بقيادة العراق هو الغثيان بأم عينه، نحن شعب متجانس نعرف جيدا التفريق بين الصدق و نقيضه، وقد جربنا الكثير وحان وقت التغيير، فبدون الشيعة لن يبتسم العراق وبغياب السنة يضيع العزم و التوازن وبلا الأكراد لن تكتمل جغرافية الوطن، مثلما ان المسيحيين والتركمان واليزيدين يزرعون ورودا جديدة على طريق التغيير..
اعتذر عن استخدام المفردات التي لاأحبها على اعتبار ان عراقيتنا هي الأسمى، لكن مع ذلك فان خصوصية التكوين الاجتماعي في العراق هي ارادة آلهية يجب الانحناء لها.. ومطلوب من كل العراقيين الاقتناع بأنهم أخوة لا تفرقهم أضغاث سياسية أو اعتبارات وضعية، فهم يلتقون جميعا عند شجرة رسول الله ” ص ” وأل بيته عليهم السلام، والعبرة بالنتائج، لذلك ينبغي أن يكون نيسان 2014 مختلفا في المقاييس عنه عام 2003!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]