من يقرأ كتب التراث والتأريخ يصطدم بكم السلبيين الهائل من أولئك الذين لاينافسون السلطان على كرسيه وﻻيفكرون في ذلك حتى لإصلاح أحوال الراعي والرعية ورضوا بكل متردية ونطيحة تحكمهم سواء جاءت الى الحكم وراثيا ، أم عسكريا ، أم إنقلابيا ، أم حزبيا ، أم إستعماريا ، أم عبر صناديق الإقتراع، هؤلاء آثروا تخطي سنن الله في الكون بذريعة الزهد في الدنيا وتجنب حطامها الزائل وترك جيفتها لكلاب الدنيا وطلابها ..السلطان بالعموم يمجد هؤلاء ويضفي عليهم هالات القداسة لينقلوا عدوى ” اللاسننية ” التي لاتهدد عرشه بأي حال من اﻷحوال الى مريديهم وأقرانهم والعمل على إرضاعهم السلبية والولاء المطلق للحاكم ولو كان ممن أكل منه السبع رضاعة طبيعية وصناعية فيصبح لدينا فرقا وجماعات مدجنة ومستانسة تطلق الدنيا طلاقا بائنا بالثلاث تاركة زواج – القصور العامرة والكراسي الفارهة – المثنى والثلاث والرباع لمن يقلدونهم أنواط – الولاية – وأوسمة القداسة مقابل السكوت الدائم بذريعة الترفع لتسبيح الدائم غير آبهين بأنين المظلومين وﻻ بآهات المعدمين وﻻ بصرخات المضطهدين وﻻ بالمخوزقين من ضحايا الصنم الحاكم وقد ضجت بصراخهم اﻷرض والسماء ، حتى بات لدي شعور بأن الولي – السلطاني – هو فقط ذاك الذي ﻻيفكر بتقويم السلطة وشخوصها وﻻيتقرب سوى من موائدها وموائدهم العامرة – في المناسبات – التي يعمل السلطان على تكثيرها لتخدير الشعب على مدار العام وما أكثرها !
هؤلاء لن تجد لهم أثرا يذكر ﻻ في (اشداء على الكفار ) ولا في (رحماء بينهم ) وﻻ حتى في ( ركعا سجدا ) على وفق المنهج الرباني والقرآني والنبوي المطلوب ، وإضفاء الولاية على هؤلاء خلق أجيالا – تمشي الى جانب الحيطان حين يتعلق اﻷمر بالسطان بأعتبار أن للجدران والاسلاك الشائكة والصبات الكونكريتية .. آذان – أجيال تؤمن بدواخلها بأن لاوصول الى واجب الوجود اﻻ بالنكوص الى الداخل والانكفاء على الذات والتقوقع حول الالقاب السلطانية لزعمائها والاكتفاء بها فحسب والدوران حولها كقطب رحى نجح السلطان بتحجيمهم من خلالها بل وتحجيم كل اتباعهم اللاهثين خلفهم طمعا ببركاتهم ايضا كتحصيل حاصل ..اجيال لاتمانع بعودة الاصنام الزائلة لطالما أن الاصنام الصائلة قد أنقصت الحصة ..اذ إن مقياسها الريختري لصلاح أي نظام من عدمه هو مفردات البطاقة التموينية ، لا عوائد الحقول النفطية الانفجارية !
أما الصنف الثاني فهم الذين إتخذوا السببية وسنن الله في أرضه وخلقه طريقا مضاءا في زمن العتمة للاخرة ، وذلك عبر عمار الدنيا ﻻتخريبها ، من خلال الصدع بالحق لا السكوت على الباطل ومداهنة من يعملون على تدمير حياة الناس ومصادرة حقوقهم وقطع اعناقهم وأرزاقهم على سواء ، السنننيون الايجابيون هم وحدهم من يكفلون الايتام ، يسعون على الارامل ، يغيثون الملهوف ، يساعدون المحتاج ، يرعون المسنين ، يسقون الظمآى ، يكسون العراة ، يؤهلون المعاقين ، يشغلون العاطلين ، يرشدون الضالين ، يعلمون الجاهلين ، وشعارهم في كل ذلك هو ” رحماء بينهم ” و ” إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا” .
اما الصنف الثالث فهم البين بين وهؤلاء على قسمين ” اﻷول إنكب على الدنيا وحطامها إنكباب من لايفكر بالموت وﻻ يخشى عواقب الاخرة وﻻ يعد لها العدة ولو بالحد اﻷدنى ، وقسم ثان جمعوا بين الصنف اﻷول حين تنعدم بهم السبل وتنقطع بهم أسباب الرجاء فحسب متوكلين على الله سبحانه توكل العاقل الذي يعقل ويتوكل وليس توكل المتواكلين – وتنبل ابو رطبة – ، فيما تراهم آخذين بكل اﻷسباب في سائر أيامهم وعموم أحوالهم ..المستعمرون والطغاة والمستبدون والجبابرة عموما لايخشون الصنف اﻷول – اللاسنني – ، ويرتابون من الصنف الثاني- السننيون – ويحاربونه حربا شعواء ﻻ هوادة فيها ، بينما يقربون القسم اﻷول من – البين بين – ويتملقون القسم الثاني منهم ساعة نكوصه فيما يحاربونه ساعة نهوضه خشية ان يؤلف مع السننيين جبهة معارضة لمواجهة كل سبة ورذيلة وفساد وافساد عم الارجاء والتي تحاول بقية الاصناف غض الطرف عنها وربما المشاركة فيها من خلف الكواليس مقابل مزيد من الاوسمة ذات البعد المقدس ..سلطانيا !
المطلوب اليوم إعادة تقييم وتعريف من هو الولي الصالح ، هل هو ( اللاسنني) السلبي الذي يحرم على نفسه – أكل البطيخ المحلي – 40 عاما ﻷن نفسه اشتهته يوما داخل السوق مع عدم الممانعة بأكل البطيخ المستورد اذا كان على موائد السلاطين ؟ ، أم هو (السنني) الايجابي الذي يأخذ بسنن الله في خلقه ومخلوقاته ويؤمن بخلافة الله في اﻷرض التي إستعمرنا فيها لعمارها ، السنني الذي يستصلح الارض البور ويزرع البطيخ ليشغل الاف العاطلين ويطعم الاف البطون الجائعة ويضمن لبلده وأمته – أمنا غذائيا داخليا – وعد الله تعالى من يوفره للناس باﻷمن من القحط والجوع وعبث قطاع الطرق والسراق بأمنه في كل الربوع ؟!
اودعناكم اغاتي