لا أدافع عن طبيب، إشتجر مع مرضاه؛ لأنه ملام.. سواء أكان ظالما أم مظلوما؛ لأن المريض يريد طبيبا يهدئ روعه، ولا “يتعارك” معه؛ لأن العلاقة الحميمة بينهما تسرع في العلاج، إقترابا من إكتساب الشفاء التام.
تلك الحميمية، دفعت الكثير من الاطباء الى الإعتذار عن دعوات دراسية، وفرص عمل برواتب مغرية، تلقوها من دول فاحشة الثراء.. آثروا البقاء في العراق؛ إيمانا منهم بوجوب المكوث بين أهلهم، يغدقون عليهم نزرا من سعادة الثقة، بطبيب ناضج العمر يعرف ما يفرح أبناء قومه، ويتفهم ظروف عمل زملاء مهنته..
أطباء مكثوا في العراق، برغم المطاردات السياسية، التي أسفرت عن إعدامات وإعتقالات وأحكام بالسجن، متحدين سوقهم للحروب الهوجاء، التي شهدها البلد، وشهقت الأرواح، زاهقة تبلغ الحلقوم، لم يرعبهم الإرهاب، الذي إستهدفهم طيلة سنوات، لم تحسم تماما حتى الآن! وظلوا يعملون بخدمة أهلهم ويتوقعون منهم تعاوناً وتقديراً ومحبة “فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان” تبادلا.
رب سائل يقول كيف: “تبادلا”؟ الجواب هو أن السعادة التي يراها الطبيب في عيني مريض زال منه الالم؛ تعني له نجاح عمر؛ كما لو تخرج في كلية الطب، هذه اللحظة.
لكن هل الخدمة الصحية جاهزة ومؤمنة؟ إن وزارة الصحة، تستنفر طاقة ملاكاتها القصوى، محفزة كل إمكانياتها، لكن بالنتيجة.. العقل يقدم والجسد يحجم، والآية القرآنية الكريمة تنص على أن “الاعمال بالنيات” تضافرا مع حكمة الأمام علي.. عليه السلام “ما كل ما يعرف يقال” لذا فثمة معوقات تحبط النية العزوم، داخل الوزارة، التي تحاول جاهدة سد العجز، لكنها لا تستطيع أن تقدم الا اقل من 50% من الحاجة الفعلية بالرغم من استنفار كل امكانياتها، ويتحول الباقي الى قصور بالخدمة الصحية ونقص بالأدوية والملاكات البشرية والمعدات والمؤسسات الصحية.
يبقى العوز شاغرا، يفغر فاه بنسبة كبيرة؛ نتيجة ظروف البلد الأمنية والمالية والفساد وضعف التخطيط وإدارة الأزمات واستيعاب متطلبات المستقبل؛ لذا نتمنى تعويض النقص الذي حصل بسبب خروج مستشفيات كبيرة عن الخدمة مثل الرشيد والقوة الجوية وحماد شهاب وغيرها ووضع خطة ستراتيجية للبناء والإعمار واستقطاب الخبرات.
الطبيب يستحضر ذكاءه ومواهبه وعلمه المتراكم.. من دراسة أكاديمية وممارسة مهنية، تلقى الاولى، على مدرجات الجامعة، وعاش الثانية، تطبيقا وعملا.
فمثلا 1000 شخص يعاينهم.. دوريا.. طبيب واحد، يزورهم في البيت، سواء أكانوا مرضى أم أصحاء؛ بغية تلافي أية أعراض، منذ البدء… لو إتبعنا جزءاً من ذلك، ما إكتظت المستشفيات بالمراجعين، يتدافعون،… إذن المشكلة في القرار الإداري للدولة، وما الطبيب والمريض الا ضحاياه، وشجاراتهما ناتج عرضي لتخلف المنظومة الصحية بروتكولياً.
كي ينجح الطبيب في اداء عمله متفوقا، ويتلقى المراجع علاجا شافيا، لا بد من طبيب أسرة، واحد لكل 1000 نسمة، بالغا 35 ألف مختص بطب الأسرة، حسب عدد سكان العراق! بينما الواقع يقول ليس لدينا، سوى 200 طبيب معني بطب الأسرة.
ختاما.. إن توفير شيء من هذا القبيل، يمكّن الطرفين.. المعالج ومتلقي العلاج.. من التفاهم الثنائي، بغية الوصول الى أقصى فائدة ترتجى، ما يعني أن مستشفياتنا بحاجة لـ 34 الفا و400 طبيب متخصص بطب الأسرة، وممرضات وممرضين مدربين جيدا على شؤون هذا الميدان.