الكتابة أساس التطور والتنمية في جميع المجالات، لأن الخطط والبرامج إذا لم يتم كتابتها ويكتفي بها شفاهاً فسرعان ما تنسى وتذهب أدراج الرياح وتصبح مجرد فكرة ولا تتحول إلى واقع وهذا يشمل جميع جوانب الحياة العامة.
الأديان السماوية وخاصة ديننا الإسلامي الحنيف أولت الكتابة أهمية كبيرة حيث بدء الوحي بكلمة إقرأ وحث على الكتابة والعلم وان درجات الذين يعلمون والذين لا يعلمون ليست بمستوى واحد.
إذًا الكتابة مهمة ولا يمكن الاستغناء عنها ويربط عدد من المؤرخين تاريخ البشرية بتأريخ أكتشاف الحروف والبدء بالكتابة، وتأتي أهميتها من أهمية الموضوع الذي يكتب فيه ولولاها لما عرفنا ما كان يجري في قديم الزمان من أحداث وكيف كان يقضي الأجداد أيامهم وحياتهم.
وجود الكُتّاب في أي مجتمع دليل على حركته وديمومة الحياة فيه ومقاساً لمدى تطوره ودوره في بناء الحضارة الانسانية، فهناك منهم من ترك أثرًا كبيرا و واضحًا من بعده وأصبح نبراساً ينير درب شعبه وكان لأفكاره وتطلعاته أساسًا ومحل أنطلاق الشعب نحو التغيير وبناء مستقبل زاهر، ومنهم من قادوا الثورات والمظاهرات للمطالبة بحقوق المظلومين والمضطهدين ولاتزال أفكار ومشاريع كتاباتهم خالدة يعتز بها شعوبهم.
قراءة الكتب المتنوعة أساس لبناء الانسان المثقف والمؤثر والواسع في الأفق والخيال، ومن يقرأ أكثر يفهم أكثر فالعلم بالتعلم، ونقرأ سنويًا إحصاءات تصدرها المؤسسات التعليمية والمعنية الاخرى عن معدل عدد الكتب التي يقراءها كل فرد في الدول، فالدول التي تأتي في المراتب العليا هي التي تملك برامج مكثفة لتوعية الجمهور واستطاعت ان تزرع حب المطالعة في قلوب الناس وتبني إنسانًا ذا معرفةٍ وحكمة قادرٍ على إدراك الأمور وقراءة ما وراء الكواليس، وان التطور العلمي والتقني لم تؤثر في برامجها بل سخرتها لصالحها واستفادت منه على أكمل وجه لأن الكتابة الالكترونية لا تكون بديلًا للكتابة الورقية بل يكون مكملًا لها دون تقاطع او تقليل من دورها.
تكتب البحوث وتعد الدراسات وتؤلف الكُتب للقراءة والاستفادة منها وليس لوضعها على الرفوف والمكتبات للجمال والتباهي بها أو ان تجمع عليها الغبار ولكننا ونقول بكل أسف نعيش في زمانٍ قلّ فيه القراءة والمطالعة لأسباب عديدة لاحصر لها ولا مجال لذكرها حتى أصبح القراء غرباء قليلون بين الناس.
إبداعات الكُتّاب لا تقف عند حد معين بل تستمر بالتدفق والسيلان لأنهم يصطادون الأفكار ولا يدعون مشروعًا كتابيًا أن تنفلت من بين ايديهم إلا ويبدعون فيه ويحولونه إلى واقع ملموس ولا يعيرون لنقد الأخرين اهتماماً ولا قيمةً.
ومن أجل تحقيق هدفهم واخراج عمل كتابيٍ معين عليهم ان يطرقوا الأبواب وان يبحثوا عن من سيدعمهم من مؤسسات رسمية أو أشخاصاً ويتحمل تكاليف الطبع والنشر وفي الحالتين يصبح أسيرًا لتعليماتهم وأوامرهم باستلام عدد محدد أو يضطر الى طبعه على نفقته الخاصة ويقطع من قوت أسرته ليودع نتاجه الى مكتبة خاصة ببيع الكتب لينتهي ببقاء ابداعه بين الرفوف مكتوماً ولا يستفاد منه إلا زيادةً في رقم يضاف إلى نتاجاته، او ان ينظم حفلًا صغيرًا للتوقيع ونشر كتابه وتوزيعه مجانًا على الحاضرين المحصورين بعدد قليلٍ من المشاركين.
وبهذا نصل الى واقع مؤلم ونقطة مهمة وهي ان الكتابات ستستمر إلى ان تنتهي الحياة ولكنها ستصطدم بجدار عدم القراءة وعدم الاهتمام بها من لدن الجهات المعنية والمجتمع بشكل عام وتذهب جهود الكُتّاب سدىً.
ويلاحظ ان الكاتب القدير منذ اللحظة الاولى من البدء بالكتابة بمشروع معين فإن جُلّ تفكيره يذهب إلى من سيقدم له الدعم بطبعه ونشره أكثر من إهتمامه بمحتوى ما سيقدمه وهذا يمثل أشغالًا للتفكير وهدرًا للوقت وانتقاصاً من شخصيته ويفقد من وزنه في المجتمع لانه سيصبح متسولًا أمام الأبواب.
الحكومات عامةً وخاصة حكومة إقليم كوردستان مطالبة بمراجعة هذه الآفة الخطيرة والقاتلة لأننا كشعب كوردستان بحاجة أكثر من غيرنا من الشعوب إلى الكتابة ودعم الكُتاب والوقوف على أسباب هذه الظاهرة وتداعياتها على المجتمع، لآن الأجواء مناسبة والأدوات متوفرة وكفانا ذم الآخرين الذين كتبوا عن شعبنا وفق أهوائهم ومصالحهم وان الشعب الكوردستاني محب للشفاهة ولا يريد الكتابة، فتاريخنا مليئة بأسماء ساطعة في السماء من المؤرخين والعلماء والمثقفين والادباء الذين قدموا ما بوسعهم وتحدوا الأعداء.
صحيح أنه مرض قد أصابنا ولكن لكل داء علاج بعد التشخيص والإقرار بوجوده والبدء بعلاجه وان كان طويلًا، فمسافة الأميال تبدء بالخطوة الأولى.