توقفت كثيرا عند تعليق احد الزملاء ان حرب فلسطين انما تعني مواجهة نصف العالم المنتصر في الحرب العالمية الثانية!!
قد اتفق مع المنظور العام لمضمون هذا القول.. نعم الصهيونية تمثل اكثر من نصف العالم المنتصر في الحرب العالمية الثانية.. ولا يعد الكيان الصهيوني الا قاعدة متقدمة له.. السؤال كيف تعاملت القوى السياسية في إدارة الصراع العربي الصهيوني؟؟
الحقيقة الأولى ان منطقة الشرق الأوسط ليست الا نتاج لاتفاق سايكس بيكو والحكومات التي جاءت بها فرنسا وبريطانيا لم تخرج عن نطاق العمل لصالح منظومة المصالح الصهيونية.. بشكل مباشر او غير مباشر.
الحقيقة الثانية.. ان الصهيونية العالمية قامت لتوسيع الفجوة المعرفية بين الاستثمار في إدارة المعرفة ونموذج الاستهلاك لريع النفط والمعادن التي تحولت إلى نموذج البترودولار لصالح كبريات شركات النفط الاحتكارية.. وسقط تامبم النفط العراقي بالضرية القاضية لعقود النفط الاستخراجية.. ناهيك عن عقود الشراكة في الحقول تحت إدارة إقليم كردستان.
الحقيقة الثالثة.. الاغلبية من الأفكار التي حاولت القفز إلى السلطة مثل الفكر الشيوعي او القومي او الإسلامي.. انما جاؤوا بالقطار الصهيوني بموافقة أمريكية بريطانية او من الاتحاد السوفيتي سابقا.. حتى باتت الحرب الباردة نموذجا لاستنزاف موارد العراق في التسليح وعندما حاول ولوج الصناعة الحربية مع فقدان توازن النظام الدكتاتوري وتورطه بالحروب.. تبخرت ثروة النفط في عواصف الحروب مرة بعناوين حق الاستقلال الكردي. وأخرى دفاعا عن الأمة العربية واليوم دفاعا عن القضية الفلسطينية.. المضمون واحد والمصدر واحد بمرجعية صهيونية واضحة.
الحقيقة الرابعة. لم تنجح جميع الحكومات التي جاءت ما بعد سايكس بيكو في التوصل لعقد اجتماعي دستوري لعراق واحد وطن الجميع.. بل تغلبت لعبة عض الأصابع بين الطوائف والقوميات لتحمل فايروس تضارب المصالح وتكوين الأحزاب وفق مصالح الطوائف والقوميات من دون الوصول إلى استحقاقات ظهور عقد اجتماعي دستوري لعراق واحد وطن الجميع… يمكن أن يتعامل بفعالية لتحويل عواطف الشعب المساندة للقضية الفلسطينية إلى قدرات اقتصادية وعسكرية لها الإمكانات الوطنية المباشرة في حرب التحرير.. فكان البديل المؤلم.. نظام مفاسد المحاصصة.
المقارنة الاسهل تاريخيا.. ما بين النموذج النفعي العراقي في التعامل مع قضايا التحرر الوطني او القضية الفلسطينية وبين نموذج ثوار فيتنام وايضا ثوار الصين الشعبية.. كلا الحالتين لم يكن قادة معارك التحرر قبل وبعد تشكيل الحكومة الوطنية يأكلون من غير قدور الجنود في معادلة مساواة المنفعة العامة للدولة والمنفعة الشخصية للمواطن.. فيما انتهى نظام سايكس بيكو إلى بروز طبقة وسطى وأخرى من قيادات الثورة… وبعد ٢٠٠٣ ظهرت شرائح جهادية تغمست يديها بمفاسد المحاصصة وسرقة المال العام.. فشتان بين من يدعي ثورية الجهاد وبين سراق المال العام!!
هذا ما تريد الصهيونية تثبيته في عراق اليوم والغد.. بلد استهلاكي.. شعب يتصارع على خلافات تاريخية منذ سقيفة بني ساعدة. أحزاب لها ارتباط مباشر مع قوى إقليمية ودولية بمختلف النماذج والأشكال التي تدخل حتى في علاقة الكيان الصهيوني مع الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان (الخيانة العظمى) الا في عراق اليوم فالعلاقات بين أحزاب الإسلام السياسي بمفهومي البيعة والتقليد انما تقوم على أسس ولائية تغادر سيادة الدولة الشكلية في حدها الأدنى!!
وسط كل هذه المتغيرات المعطيات.. يتنابز المنافقون على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بيانات احزابهم منهم من يريد أن يقاتل مع هذه الدولة الجارة حتى وان كانت ضد جيش بلاده. ومنهم من يقدم الولاء تحت عنوان بناء دولة داخل دولة أقاليم.. ومنهم ومنهم.. ولم يفكر اي طرف في إعادة تكوين عقد دستوري لعراق واحد وطن الجميع!!
السؤال الأصعب والأهم.. كيف ستكون المحطات المقبلة من تاريخ عراق الغد؟؟
الاجابة تبدأ في مواجهة تحليل أصحاب المصلحة الوطنية العراقية والعراقية فقط.. وتلك مهمة النخب الواعية التي دعيت من المرجعية الدينية العليا إلى الانتباه لواجباتها في المستقبل القريب.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!!