18 ديسمبر، 2024 7:46 م

الكون صار بلا عالم في الكونيات

الكون صار بلا عالم في الكونيات

” الكون مغلق وهو في ذات الوقت بلا حدود”

لقد خلّف رحيل ستيفن هوكينغ المولود في 8 جانفي 1942 والمتوفي يوم 14 مارس 2018 بعد خوضه لصراع بطولي ضد مرض التآكل المبطئ وإصراره الكبير على البقاء على قيد الحياة وتقديم الإضافة للفكر الكثير من الأسى والحزن في الأوساط العلمية ومجال المعرفة والابستيمولوجيا والفيزياء وعلم الفلك والكوسمولوجيا وذلك للفراغ الكبير الذي تعاني منه العلوم الدقيقة والاختصاصات الجزئية في مستوى النظريات العامة والأفكار الناظمة منذ رحيل ألبرت آينشتاين وصياغته للنسبية الخاصة والنسبية العامة.

لقد تمكن هوكينغ من لفت النظر إليه باكرا بفضل عبقريته ومحاولته الربط بين فرضية الثقوب السوداء وعلم الديناميكا الحرارية واستطاع خريج جامعة أكسفورد في الفيزياء النظرية من مواصلة العمل الذي دشنه آينشتاين وملء الفراغ الذي تركه بعده وذلك حينما انتقل إلى جامعة كامبردج واستعان بالرياضيات ليفسر بعض الأسرار والألغاز التي ظلت عصية على آينشتاين وخاصة إشعاعات التي تصدر عن الثقوب السوداء والتصميم الكبير في الكون الوليد وتحديد بداية للكون في الزمن من خلال فرضية الانفجار الكبير.

لقد تبنى هوكينغ نظرية باحثة تعلق الحكم حول المعتقدات وترفض التفسيرات التقليدية عن الحياة والكون وتتساءل عن حيثيات الوجود قبل حدوث الانفجار الكبير وتجول بالعقل البشري بين لامتناهي الكبر ولامتناهي الصغر وتوغل كثيرا في الزمكان واستفاد كثيرا من تفجير الذرة وغزو الفضاء الخارجي وانتهى الى نظرية لاوجود الكون ورفض كل الغيبيات والرؤى الاسكاتولوجية وترك مدار البحث مفتوحا.

لقد شهد له العالم بكل تقدير واحترام رفضه العدوان الغربي على العراق واعتبره من جرائم الحرب الفضيعة وانتقد السياسات الظالمة التي تمارسها إسرائيل تجاه الفلسطينيين وقاطع مؤتمرا بحثيا من أجل ذلك ودعا إلى نزع السلاح النووي نهائيا من الكوكب وحذر من خطورة انهيار المناعة البيئية وتزايد نسب تلوث المعمورة ودعا إلى اتخاذ إجراءات من أجل الحيلولة دون تغير المناخ بصورة كارثية على حياة الكائنات ونبه من مخاطر التصحر وارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان جبال الجليد وتغلب الماء على اليابسة وساهم في أبحاث جدية حول الخلايا الجذعية والمفتاح السري للكون وطبيعة الزمان والمكان.

لقد وقف هوكينغ على أكتاف العمالقة وصنع من الأحلام الكثير من الأشياء المهمة التي قادته الى الكشف عن الكنوز التي تخفيها أمنا الطبيعة ورأى الأرقام من خلق الله وترك أكثر أوراق الفيزياء النظرية والكمية إدهاشا في الحقبة المعاصرة والتي مازلت إلى حد اللحظة تصعق العقول الباحثة عن حقيقة موجزة عن تاريخ الكون. إن رحيله يعتبر خسارة فادحة للبشرية تؤثر سلبا على مسيرة التقدم العلمي والتكنولوجي في هذه الظروف الصعبة والأزمات المتتالية وانسداد الآفاق المعرفية. لقد أصبح العلماء معه حاملي مصباح الاكتشاف في سعي البشرية الدائم نحو معرفة الكون. ولقد قال عن نفسه:”لو كنت سأختار بطل خارق لأكونه، فإني أختار سوبرمان الرجل الخارق المتفوق في كل الأعمال ، فهو يمثل كل شيء أنا لست عليه”، فهل تقدر الجماعات العلمية التي تشكلت معه على مواصلة الطريق الذي فتحه؟ ومتى تساهم الشعوب الطامحة إلى ريادة العالم في تقدم العلوم وخلق العلماء وتنخرط في مقاومة الجهل والدجل؟