ليس من بين اهداف المسرح الكوميدي العربي ان صح التعبير استغلال اعاقات بعض الاشخاص الجسدية والعقلية واستخدامها كوسيلة للاضحاك والترفيه والتسلية حتى ولو كان ذلك في مشاهد قصيرة من العمل الكوميدي . هذا ما درج عليه بعض عدد من فناني المسرح الكوميدي العرب عموما. نعم نحن بحاجة الى اضحاك نظيف خال من توجيه اهانات ضمنية لشريحة من شرائح المجتمع ليس لها القدرة على تغير لونها او وضعها الجسدي او العقلي او انتسابها الاثني او الجغرافي او بالتحديد القاري نعم ليس لديها القدرة لتتجنب ان تكون هدف للاضحاك الرخيص. ان تكريس هذا النوع من الثقافة بتعويد الجمهور على هذا النمط من الكوميديا يعتبر في الواقع تجاوز على حقوق الانسان وتجاوز على المعتقدات الدينية والاعراف المجتمعية السامية. ولرب سائل يسأل ما السبل الاخرى التي يمكن سلكها لتحقيق اهداف الكوميديا النبيلة والبناءة وتجنب التجاوزات اللاخلاقية على ما وجد الانسان عليه نفسه؟
نعم نحن جبلنا على هذه الثقافة المعيبة عن طريق وسائل الاعلام الترفيهية على وجه الخصوص ولكن على المختصين في ميدان الكوميديا تطوير سبل الاضحاك مسايرة مع تطور كوميديا الشعوب الاخرى على هذا الكوكب في زمن نرى فيه شيوع ما لا يخطر على البال مثلا محاربة التمييز العمري( Age Discrimination) في العمل والتوظيف ومحاربة استغلال الاطفال في التجنيد والاعمال الشاقة والحروب Child Abuse)) ومحاولة توطيف اعلاميين من ذوي الاحتياجات الخاصة في الاعلام المرئي وكذلك منح الرجل اجازة امومة لمساعدة زوجته الحامل ترسيخا لشأن المرأة وغيرها غيرها ولنلحق بركب البشرية ولكي نبقى من خير الامم كما وصفنا المصحف الكريم.
من الرخص اخلاقيا ان نستغل مثلا قصار القامة (الاقزام للتقريب لا للاهانة ) في اضحاك المتلقي كي نكسب فنيا وماديا او نقوم بكيل الاهانات اللاخلاقية ( Taboo) والخارجة عن الذوق لرجل كبير لاتليق بسنه او امراة عجوز. والله انني شعرت بالخجل عندما سمعت الكوميديان يقول لرجل كبير في احدى المسرحيات الكوميدية العربية ويناديه ب ( يا عرة يا معفن)من اجل اضحاك الجمهور. اهذه هي اخلاقنا حقا؟ نهين رجل كبير فعلا (ثمانيني)تمثيلا على خشبة المسرح كي نضحك المتلقي ونكسب المال ونشتهر.
في هذه الحالة قد يقول قائل هذه وسيلة لكسب الرزق وهذا تمثيل ليس الا . لكننا نقول يمكن تحوير المشهد وابدال الشخص احتراما لكبر سنه والابتعاد عن جعل المشهد نمطيا وترسيخ ثقافة الاضحاك الرخيص والتشجيع على اسقاط الضوابط بين الاجيال. وما هذا المشهد وغيره الا دليل على وجود خلل مجتمعي.
وكبديل لسوء استغلال كبار السن و اصحاب الاحتياجات الخاصة او اصحاب الهمم كما يطلق عليهم انصافا في دول الخليج يمكن الركوناكثر الى اللعب على مفردات اللغة في الاضحاك بدل توظيف الاعاقة البدنية او العقلية في اضحاك الاخرين وبدل ترسيخ تلك الثقافة وتعويد المتلقي على الضحك على نواقص الخلقة البشرية وتطورها. وكمثال علىتوظيف مفردات اللغة تلك النكتة التي يرويها( A Standup Comedian)كوميدي بريطاني من اصول ايرانية عندما سأله مفتش الجوازات في نيويورك عن جنسيته فقال له انه (UK-IRANIAN ) لفظها باسلوب جميل هزلي ومضحك وكأنه يقول انه اوكراني والحقيقة هي مفردة مركبة من كلمتين( اولها المملكة المتحدة وثانيها ايراني). وهي نكتة اضحكت ولي عرش بريطانيا الامير تشارلس الذي كان حاضر بين الجمهور.
الذي اردنا ان نقوله للفنانين العرب بالذات كفانا من اساليب الاضحاك الرخيص والتوقف عن اذلال الانسان العربي مهما كانت الخلقة التي وجد فيها في هذا العالم والتوقف عن ترسيخ ثقافة استهداف ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن من اجل الكسب المادي والمعنوي. اننا هنا لانريد تعقيد الامور على المعنيين بالعمل الكوميدي من مؤلفين ومخرخين وفنانين مرتجلين المطلوب فقط التروي وتشذيب مما مكن تشذيبه قبل الانطلاق الى فضاء الفرجة والمتعة.
استاذ الترجمة والاعلام