جائحة الكورونا قد مدت الشعوب بطاقات مكنتها وستمكنها من تغيير الكثير من الوقائع التي خبرها العالم قبل هذه الجائحة. خلال فترة الجائحة سلبت السلطات التنفيذية باختلاف أنظمتها لضرورات حياتية بعض حريات الافراد وفرضت عليهم بعض القيود لفترة من الزمن. وبعد التخفيف من القيود وظفت هذه الطاقات الكامنة لدى المواطن في تغيير الوقائع لان الانسان خرج الى واقع جديد فيه حكومات في الغرب اساءت استخدام كل ما لها من صلاحيات تقليدية قبل وبعد الكارثة وهونت من خطرها وشبهتها بغيمة صيف.
أصبح الانسان ثائرا فقد خرج من الكارثة المستمرة التي يعتقد انه خفت وطأتها بلا مال بلا عمل ووضع صحي سيء ومهدد بخطر الوباء فيما أصبحت قوانين ونظم الوضع السابق لا تناسب الوضع الجديد. فكل الناس بيضا او سود نساء او رجالا وقل ما شئت اصبح لهم مطلب واحد وهو تغير انماط الحياة فاصبح تفكير الانسان يستند على التساوي بعدما خبر اقتراب الهلاك الذي لا يعرف لونا او دينا او مذهبا او جنسا.
هكذا خرج المواطن من الحجر عام 2020 أراد ان ينفس عن غضبه شأنه شأن الخاسر الذي لا يأبه يشيء. فصال وجال وتجاوز المحظورات وهاجم المتجبرين العتاة واقترب من الراس وجاء الرد بالإسراف والمغالاة في استخدام القوة والوحشية ضد المكونات المظلومة فانتصرت لها باقي المكونات وعاضدتها واجبرت الجميع على الاعتقاد ان الماضي سيء ولا نريد حاضرا او مستقبلا اسوء ويا تيها الحكام اصلحوا اوضاعنا بالشكل المطلوب قبل ان تتوالى علينا الكوارث.
فتجسدت ثورة الشعوب بالمطالبة بإلغاء القوانين والنظم التميزية غير العادلة كما تميزت بتحطيم رموز الماضي المقيت المحمي من قبل المنتفعين وتجسدت بالدعوة الى التغير والإصلاح والعدالة والسلام. وأصبحت هذه الجموع لا تتحمل التذكير بالحال ما قبل الكرونا.
فتبارى الحكام والمعارضة الى اقتراح تعديلات على القوانين والنظم بعد تردد الحكام وإصرار المعارضة على اجراء التغيرات. كان كل ذلك لأغراض انتخابية ومصالح حزبية.
هكذا سيدون المؤرخون احداث عام 2020عام تغيير فيه العالم وتغيرت ناسه بشكل غير متوقع مطالبين بغد أفضل وإلغاء قيود لا تستوجب العمل بها وابتداء صفحة جديدة من التعامل ولولا هذه الكارثة المفجعة لما حدث كل ذلك.
هناك حصيلتان من هذا الطرح أولهما ان الكوارث الكونية تكشف عورات النظم السياسية أي يمكن القول انها مصدر نعمة ونقمة وتحرك الشعوب نحو التوحد والغاء الحواجز والمفرقات بين مكونات المجتمع نتيجة ما مكمون في ذات المواطن من غيض على فاعلية النظام السياسي وتتوحد هذه الشعوب أيضا نتيجة حالات الاجحاف التي يتعرض لها باستمرار مكون من مكوناتها بسبب لا انساني كأن يكون اللون او العرق او الديانة او الجنس وغيرها من الأمور التي وجدنا انفسنا واسلافنا عليها.
الحصيلة الثانية هي ان النظم السياسية سواء اكانت ديمقراطية او ديكتاتورية ليست عرضة فقط للتغير التدريجي ولكن أيضا عرضة لتغير جذري عندما تتعرض لهزة من الهزات القوية الشاملة وعندها تنكشف مواطن الضعف والعورات ولا يمكن لهذه الأنظمة الصمود والمقاومة. وانما تتخاذل امام ارادات الشعوب.
ويمكن ان نضيف لكل هذا انه من المعتقد أيضا ان تتفتت دول غربية كبرى الى دول اصغر على أسس لم تخطر ابدا على بال المرء اذا استمرت هذه التغييرات الكبرى واذا تبعت هذه الجائحة كوارث كبرى أخرى كبرى ليست بحجم التسونامي الذي ضرب القارة الاسيوية فالتسونامي ضرب منطقة محدد ة من العالم اما هذه الجائحة فلم تسلم منها أي قارة او اي دولة من الدول المعمورة.
ومن المعروف ان الكوارث الكبرى تؤدي الى اختلال توازنات مكونات الامة. فبعد ان تكون المبادئ السيئة التي ارسها السابقون في عصور الظلم كفتها راجحة لدى مكون معين تصبح في اعين الجميع مقيتة ولا بد من العمل لأجل الإصلاح والعدالة في عهد تقدمت فيه الأمم على اغلب الأصعدة.