ان تصريح وزير شؤون المستوطنات الاسرائيلي تساحي هنغبي الذي ابدى فيه اعتراض اسرائيل على صفقة ال ( اف-35) الامريكية مع الامارات , يمكن اعتباره تعاطيا دبلوماسيا جديدا وغير مالوفا على دول المنطقة بعيدا عن المجاملات السياسية التي تصبغ تحركات ساسة المنطقة في اكثر الاحيان .
فقد صرح الوزير الاسرائيلي بان اسرائيل ليست فقط ضد حصول الامارات على طائرات اف-35 الامريكية , وانما ضد حصولها على حتى “برغي” واحد منها , مع ان اسرائيل “وكما جاء على لسان هنغبي” تدرك ان امريكا في كل الاحوال تضمن التفوق العسكري الاسرائيلي في المنطقة .
تصريح هنغبي ياتي في وقت والمنطقة مقبلة على انفتاح عربي ( اماراتي) على اسرائيل , مما يشكل انجازا سياسيا تاريخيا يصب في صالح اسرائيل بشكل اساسي , وتعتبر ثغرة مهمة في جدار الرفض العربي لاقامة علاقات ( علنية ) مع اسرائيل , رغم ذلك فان اسرائيل ترفض ابداء اية مرونة تؤثر على امنها الوطني على المدى البعيد . فالضامن الاساسي لامنها الوطني ” من وجهة النظر الاسرائيلية” ليس في تطبيع علاقاتها مع العرب , وانما في ضمان تفوقها العسكري على دول المنطقة , واي تحرك عربي في هذا الصدد هو خط احمر بالنسبة لها , حتى وان طبعت علاقاتها مع جميع الدول العربية .
بالمقابل فان الامارات “المتاثرة بالاداء الشرق اوسطي للسياسة” تصورت انه يمكن ممارسة مبدا ( بوس عمك بوس خالك) مع اسرائيل , وتوقعت انه طالما هناك بوادر تطبيع بينها وبين اسرائيل , فان الاخيرة ستسارع للقبول بما تطرحه الامارات كعربون لعلاقاتهما المستقبلية , الا ان الموقف الاسرائيلي كان درسا لكل دول المنطقة وشعوبها .
هذا هو الفرق بين الاداء السياسي الناجح والبعيد عن المجاملات والمخاطرة , وبين الاداء السياسي لبقية حكومات المنطقة , فكم من اتفاق ومعاهدة وقعت في المنطقة على مبدا ” البوس” افضت الى لا شيء ,او تسببت بمشاكل اكثر . ومن بين هذه الاتفاقيات والمباحثات تلك التي عقدت بين كوردستان وبين العراق خلال السبعة عشر سنة الماضية والتي لم تفض لغاية اليوم سوى الى مباحثات تتلوها مباحثات اخرى .
ففي سنة الالفين وثلاثة كان الموقف الكوردستاني قويا بما يكفي لفرض شروطه على الطرف الشيعي والسني في العراق , وحتى على دول التحالف التي كانت مضطرة للقبول حينها باي شروط مقابل موقف كوردي ايجابي ازاء متغيرات تلك الفترة , الا ان المرونة التي مارسها الطرف الكوردي فيما يتعلق مثلا بموضوع كركوك والمناطق المستقطعة وما تضمنه الدستور العراقي من مفخخات ساهمت بشكل كبير على بقاء هذه المشكلة , بل واستفحالها بعد ذلك , لتستمر لغاية اليوم دون حل , مع انه كان يفترض الانتهاء من اخر مراحل حلها في الالفين وسبعة بالكامل حسب الدستور العراقي . ليس هذا فحسب بل ان كل الفقرات الدستورية الاخرى محل اهتمام الكورد جرى تاجيلها والتماطل فيها بكليشات قانونية ثابتة من قبيل ” اصدار قانون يوضح ذلك لاحقا ” او ” يتم توضيحها بملحق لاحقا ” او ” تشكيل لجان لاحقا” . هذه التعابير القانونية نجحت في ان يفتقر العراق لغاية اليوم الى مجلس سياسي اتحادي والى قانون النفط والغاز , او الى منع اجراء التعداد العام للسكان , كل ذلك بسبب سياسة ” بوس عمك بوس خالك ” السالفة الذكر .
لقد دفعت كوردستان ثمنا باهضا باتخاذها موقفا مرنا في القرارات المصيرية , التي يبدو انها نابعة من الطبيعة المتسامحة للمجتمع الكوردي , اثر بالتالي على اداء المفاوض الكورستاني الذي تعامل مع الملفات السياسة الهامة بنفس المرونة والتسامح .
قد يقول قائل ان القبول الكوردستاني بتاجيل بعض النقاط كانت تصب بعض الاحيان في الصالح الكوردي .. وقد يكون هذا الكلام صحيحا , لكن ما اضفت اليه الامور بعد ذلك يظهر ان التطورات في النتيجة لم تصب في الصالح الكوردستاني .
قد تكون عملية نقد قرارات سياسية سابقة اعتمادا على ما نرى من نتائجها في الوقت الحاضر عملية غير منصفة , لاننا بذلك نسقط قرارات الماضي على ما هو موجود في الوقت الراهن فننتقد تلك القرارات , غير ان غايتنا هنا ليس النقد من اجل النقد فقط , لكن لانه ما يزال امامنا في كوردستان مفاوضات شاقة وطويلة نود اجرائها مع الجانب العراقي في سبيل تصفير مشاكلنا معه , وجل ما نخشاه ان تكون المرونة في الموقف الكوردي هذه المرة ايضا لدرجة بحيث ناتي بعد سنوات فننتقد تلك المرونة اعتمادا على نتائجها التي سنشهدها انذاك مستقبلا , لذلك نتمنى على المفاوض الكوردستاني ان يجعل مبدا ( ولا حتى برغي) نصب عينيه وهو يتوجه الى بغداد للحصول على حقوق شعبه المشروعة دون تهاون فيها , ودعوا مبدا “بوس خالك بوس عمك” للاخر يتعامل فيها كما يشاء .