23 ديسمبر، 2024 1:09 م

الكورد بين مبدا “بوس خالك بوس عمك” و”ولا حتى برغي”

الكورد بين مبدا “بوس خالك بوس عمك” و”ولا حتى برغي”

ان تصريح وزير شؤون المستوطنات الاسرائيلي تساحي هنغبي الذي ابدى فيه اعتراض اسرائيل على صفقة ال ( اف-35) الامريكية مع الامارات , يمكن اعتباره تعاطيا دبلوماسيا جديدا وغير مالوفا على دول المنطقة بعيدا عن المجاملات السياسية التي تصبغ تحركات ساسة المنطقة في اكثر الاحيان .
فقد صرح الوزير الاسرائيلي بان اسرائيل ليست فقط ضد حصول الامارات على طائرات اف-35 الامريكية , وانما ضد حصولها على حتى “برغي” واحد منها , مع ان اسرائيل “وكما جاء على لسان هنغبي” تدرك ان امريكا في كل الاحوال تضمن التفوق العسكري الاسرائيلي في المنطقة .
تصريح هنغبي ياتي في وقت والمنطقة مقبلة على انفتاح عربي ( اماراتي) على اسرائيل , مما يشكل انجازا سياسيا تاريخيا يصب في صالح اسرائيل بشكل اساسي , وتعتبر ثغرة مهمة في جدار الرفض العربي لاقامة علاقات ( علنية ) مع اسرائيل , رغم ذلك فان اسرائيل ترفض ابداء اية مرونة تؤثر على امنها الوطني على المدى البعيد . فالضامن الاساسي لامنها الوطني ” من وجهة النظر الاسرائيلية” ليس في تطبيع علاقاتها مع العرب , وانما في ضمان تفوقها العسكري على دول المنطقة , واي تحرك عربي في هذا الصدد هو خط احمر بالنسبة لها , حتى وان طبعت علاقاتها مع جميع الدول العربية .
بالمقابل فان الامارات “المتاثرة بالاداء الشرق اوسطي للسياسة” تصورت انه يمكن ممارسة مبدا ( بوس عمك بوس خالك) مع اسرائيل , وتوقعت انه طالما هناك بوادر تطبيع بينها وبين اسرائيل , فان الاخيرة ستسارع للقبول بما تطرحه الامارات كعربون لعلاقاتهما المستقبلية , الا ان الموقف الاسرائيلي كان درسا لكل دول المنطقة وشعوبها .
هذا هو الفرق بين الاداء السياسي الناجح والبعيد عن المجاملات والمخاطرة , وبين الاداء السياسي لبقية حكومات المنطقة , فكم من اتفاق ومعاهدة وقعت في المنطقة على مبدا ” البوس” افضت الى لا شيء ,او تسببت بمشاكل اكثر . ومن بين هذه الاتفاقيات والمباحثات تلك التي عقدت بين كوردستان وبين العراق خلال السبعة عشر سنة الماضية والتي لم تفض لغاية اليوم سوى الى مباحثات تتلوها مباحثات اخرى .
ففي سنة الالفين وثلاثة كان الموقف الكوردستاني قويا بما يكفي لفرض شروطه على الطرف الشيعي والسني في العراق , وحتى على دول التحالف التي كانت مضطرة للقبول حينها باي شروط مقابل موقف كوردي ايجابي ازاء متغيرات تلك الفترة , الا ان المرونة التي مارسها الطرف الكوردي فيما يتعلق مثلا بموضوع كركوك والمناطق المستقطعة وما تضمنه الدستور العراقي من مفخخات ساهمت بشكل كبير على بقاء هذه المشكلة , بل واستفحالها بعد ذلك , لتستمر لغاية اليوم دون حل , مع انه كان يفترض الانتهاء من اخر مراحل حلها في الالفين وسبعة بالكامل حسب الدستور العراقي . ليس هذا فحسب بل ان كل الفقرات الدستورية الاخرى محل اهتمام الكورد جرى تاجيلها والتماطل فيها بكليشات قانونية ثابتة من قبيل ” اصدار قانون يوضح ذلك لاحقا ” او ” يتم توضيحها بملحق لاحقا ” او ” تشكيل لجان لاحقا” . هذه التعابير القانونية نجحت في ان يفتقر العراق لغاية اليوم الى مجلس سياسي اتحادي والى قانون النفط والغاز , او الى منع اجراء التعداد العام للسكان , كل ذلك بسبب سياسة ” بوس عمك بوس خالك ” السالفة الذكر .
لقد دفعت كوردستان ثمنا باهضا باتخاذها موقفا مرنا في القرارات المصيرية , التي يبدو انها نابعة من الطبيعة المتسامحة للمجتمع الكوردي , اثر بالتالي على اداء المفاوض الكورستاني الذي تعامل مع الملفات السياسة الهامة بنفس المرونة والتسامح .
قد يقول قائل ان القبول الكوردستاني بتاجيل بعض النقاط كانت تصب بعض الاحيان في الصالح الكوردي .. وقد يكون هذا الكلام صحيحا , لكن ما اضفت اليه الامور بعد ذلك يظهر ان التطورات في النتيجة لم تصب في الصالح الكوردستاني .
قد تكون عملية نقد قرارات سياسية سابقة اعتمادا على ما نرى من نتائجها في الوقت الحاضر عملية غير منصفة , لاننا بذلك نسقط قرارات الماضي على ما هو موجود في الوقت الراهن فننتقد تلك القرارات , غير ان غايتنا هنا ليس النقد من اجل النقد فقط , لكن لانه ما يزال امامنا في كوردستان مفاوضات شاقة وطويلة نود اجرائها مع الجانب العراقي في سبيل تصفير مشاكلنا معه , وجل ما نخشاه ان تكون المرونة في الموقف الكوردي هذه المرة ايضا لدرجة بحيث ناتي بعد سنوات فننتقد تلك المرونة اعتمادا على نتائجها التي سنشهدها انذاك مستقبلا , لذلك نتمنى على المفاوض الكوردستاني ان يجعل مبدا ( ولا حتى برغي) نصب عينيه وهو يتوجه الى بغداد للحصول على حقوق شعبه المشروعة دون تهاون فيها , ودعوا مبدا “بوس خالك بوس عمك” للاخر يتعامل فيها كما يشاء .