تتوالى الأنباء عن تعرض أبراج نقل الطاقة الكهربائية إلى أعمال تخريبية متكررة ومتعمدة هدفها إحداث توقفات في عمل الخطوط الحاملة لها، وتالياً تأثيرها المباشر في استمرارية تجهيز التيار الكهربائي للمناطق التي تعتمد تغذيتها الكهربائية على ما تحمله الخطوط الناقلة من طاقة إلى هذه المناطق..
واضح أن مجموعات منظمة خارجة عن القانون تقف وراء هذه العمليات تدعمها وسائل مؤثرة لإحداث الضرر المباشر بإحدى المجالات الاقتصادية المهمة ذات الطابع الخدمي في حياة المجتمع، وواضح أيضاً أن دوافع شريرة مخطط لها تقف وراء هذه الأفعال، يوازي هذه الحوادث تخريب من نوع آخر تقع معالجة نتائجه ضمن مسؤولية السلطة الحاكمة التي فشلت في جانبين أولهما توفير وسائط المواجهة أمام الأعمال التخريبية التي تستهدف مكونات المنظومة الكهربائية كافة وكذلك تعزيز أدوات حمايتها التي تكفل عدم تكرار تعرضها بما يسبب التأثير عليها وإيقافها عن العمل، أما الجانب الثاني فهو الإخفاق الواضح والمطلوب في وضع التدابير الفنية الخاصة بإدارة المنظومة الكهربائية وتشغيلها بما يمنع أو يكبح تأثيرات حوادث فصل خطوط النقل العاملة في جزء من الشبكة على عموم المنظومة الوطنية للكهرباء، فالمعنيون من أصحاب المعرفة والمهارة بتشغيل الشبكات قادرين على تحديد المتطلبات اللازمة لتطبيق هذه التدابير وضمان نجاحها، بالإضافة إلى وضع العديد من الخطط البديلة ليلجأ إلى تطبيقها مشغلو المنظومة العامة في حالات الطوارئ وما يتبع هذا من ضرورة تسخير برامج تدريبية خاصة بها تؤمن سلامة تنفيذها بدقة متناهية.
يعد غياب هذه التدابير مشاركة مباشرة عن عمد أو من دونه في ما حصل من حوادث أدت الى حرمان الكثير من المناطق من خدمة تجهيز الطاقة الكهربائية وما تبعه من معاناة قاسية، وتحديداً في مثل هذه الأيام من فصل الصيف اللاهب، فبالرغم من اختلاف وسائل تحقيق أهداف العمليات الارهابية إلا أنها، في نهاية الأمر، تخضع لمحصلة واحدة تساهم في تكوينها توفر الأجواء والعوامل التي تؤمن النتائج الخبيثة لها.
على وفق التقارير المالية المعتمدة وتقديرات المعنيين من الخبراء فإن ما قرابة المائة وعشرة مليارات دولار قد تم أنفاقها لترميم المنظومة الكهربائية واصلاحها منذ سنة ٢٠٠٣ وإلى الان، بعد ظروف قاهرة تعرضت لها نتيجة للعدوان المستمر الذي استهدف العراق، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وما تبع ذلك من حصار اقتصادي طبق بإجراءات تعسفية صارمة، منذ بداية التسعينيات وإلى سنة الاحتلال ٢٠٠٣.. هذه التخصيصات لو سخرت بوضعها في قنوات التخطيط السليم بعيداً عن مصالح الأحزاب السياسية الحاكمة لكانت كفيلة بانتاج منظومة كهربائية متكاملة ذات بناء متين قادرة على تأمين متطلبات الاحمال مع توفير سعات احتياطية بالإضافة الى التوسع بإنشاء الشبكات التحويلية والناقلة بمختلف مستويات الجهد وتوفير الوسائل البديلة ذات الخيارات المتعددة، مثل هذه المنظومة ستكون جاهزة لمجابهة الحالات الطارئة التي تتعرض لها كالتي تواجهها المنظومة العراقية اليوم من أعمال تخريبية متتالية، الا أن الاخفاق في ذلك مكن المخربين من تحقيق أهداف من وظفهم لصالحه.. فكان هذا الإخفاق الناتج عن الفساد السائد داعماً لهم وكان وجهاً آخر من وجوه الارهاب ليكتمل ويصبح مزدوجا في استهداف مكونات الشبكة الكهربائية العامة والنيل منها، لذا كان على المتصدين مواجهته على جبهتين وبنحو متواز: الأولى حماية مكونات المنظومة بإجراءات استباقية وتسخير الممكن من الوسائل المختلفة لمنع حصول الاعمال التخريبية، أما الجبهة الثانية فهي تنفيذ الخطط البديلة لمواجهة نتائج الحوادث على وفق تفاصيلها المرسومة بعناية بعد تأمين متطلبات تطبيقها بجوانبها المادية والفنية والتدريبية.. هنا سوف يكون تأثير الأعمال الارهابية محدوداً وبعيداً عن الاحتمالات الخطيرة التي تهدد عمل المنظومة الكهربائية الذي قد يعرضها الى التوقف الشامل وما يتبع ذلك من أضرار فنية وخسائر مادية كبيرة يتحملها المواطن الذي طالت معاناته نتيجة لسوء خدمة تجهيز التيار الكهربائي لعقود طويلة حتى أصابه الاحباط في وقت كان يتوقع الحصول على تغذية كهربائية دائمة ومستقرة.