في أذار الماضي وضمن سلسلة الأنشطة الثقافية (الدورية) لاتحاد النخب والأكاديميين العراقيين تم تنظيم ندوة اقتصادية بوساطة تطبيق (زووم) حاضر فيها الخبير الاقتصادي الدكتور دريد الشبيب بورقة بحثية بعنوان (الديون القذرة ومستقبل النظام المالي في العراق).
كنت أحد الحضور فيها مع العديد من المعنيين بشؤون المال والاقتصاد في العراق والأقطار العربية، تناول المحاضر شرحاً (موفقا ً) لتعريف مفهوم (الديون القذرة)، خلاصته: (إنها ديون فرضت على الشعب في دولة ما من دون أن يستفيد منها فهي لا تصب في مصلحته والدائنون يعرفون هذه الحقيقة وتلجأ إلى مثل هذه الديون الدول المحتلة التي تنصب فيها حكومات غير شرعية…..).
يعد هذا النوع من الديون وعلى اختلاف ما وصفت به من تسميات أطلقت عليه (القذرة، الكريهة، البغيضة، غير الشرعية…. الخ) وعلى وفق ما ذهب إليه الخبراء في بحوثهم العلمية من وسائل تهريب الثروات ولها أبعاد أخلاقية وإنسانية منها تمويل قدرات المليشيات المسلحة وتعزيزها (خارج السلطة) ….
يستورد العراق الكهرباء من إيران بمعدل (١٠٠٠ – ١٢٠٠) ميكاواط، عبر أربعة خطوط لنقل الطاقة الكهربائية وهي (خرمشهر – البصرة، كرمنشاه – ديالى، كرخة- العمارة، سربيل زهاب – خانقين) وكذلك تصدر إيران للعراق الغاز اللازم كوقود لتشغيل قرابة (٣٣٠٠) ميكاواط من الوحدات التوليدية العاملة ًفي المحطات الكهربائية داخل العراق وتقابل هذا الاستيراد (الكهرباء والوقود) عقود إذعان قاسية فرضت على الجانب العراقي بفعل إرادات سياسية خاصة فكانت جوانب الضعف والابتزاز واضحة فيها، وبالرغم مما هو معلن بشأن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران إلا إنها مستمرة بالتصدير، بعد حصول العراق على استثناءات متتالية من واشنطن لمواصلة استيراده للطاقة، كما أن الجانب الإيراني مدد، قبل قرابة الشهرين، عقود التجهيز لسنتين مقبلتين على اثر زيارة الوفد الإيراني لبغداد جرى الاتفاق فيها على أن يسدد العراق جزءاً من (الديون) إلى إيران والبالغة (٤٠٠ مليون دولار أمريكي)، ينفذ التصدير هذا على وفق اتفاق (خذ ثم سدد)! ويكلف العراق ما قيمته (٢ مليار دولار) سنويًا وهذا المبلغ يمكّن وزارة الكهرباء العراقية من إنشاء محطة توليد للطاقة الكهربائية بسعة (٢٠٠٠) ميكاواط متكاملة في كل سنة، منذ التعاقد عليه، ما يثار على طريقة تسعير الوحدات الكهربائية المصدرة هو ارتفاع قيمتها وبفارق مالي كبير مقارنة مع الأسعار العالمية السائدة في أسواق الطاقة والتي تتأثر، بنحو مباشر، بأسعار النفط وهذا يناقض ما أدلى به المسؤول عن ملف الطاقة العراقي في أكتوبر سنة ٢٠١٢ (حسين الشهرستاني) عندما أفاد بأن (كلفة استيراد الطاقة الكهربائية من إيران قليلة ولو صدرت إلى الخارج لرفدت العراق بمردود اقتصادي) فكان مجافياً لحقيقة الحالة، وهناك مؤشر على تعامل الجانب الإيراني تجاه استمرارية التغذية حيث يحجبها أحياناً وبحجج مالية وفنية مختلفة، كما حصل في تخفيض ضخ الغاز اللازم لتشغيل محطات التوليد مؤخرا ًوالذي أدى إلى إيقاف العديد من وحدات الانتاج العاملة فكان تأثيره في زيادة مساحات القطع الكهربائي وساعاته عن المواطنين، يضاف إلى هذا مواصفات الكهرباء المصدرة حيث يعاني المستهلكون في المناطق التي تعتمد تغذيتها بالتيار الكهربائي على المجهز من الشبكة الإيرانية من حالات التذبذب فيه مع انخفاض مستويات الفولتية المعتمدة في تشغيل الأجهزة المنزلية المختلفة.
إن الديون النظيفة تحكمها شروط تنظم مسؤوليات الدائن والمدين فهي واضحة ومقبولة للطرفين.. فهل ديون استيراد الكهرباء من إيران يخضع إلى ضوابط محددة يبعدها عن منزلقات الديون الخبيثة أو القذرة في أهدافها المخفية؟؟ وهل كانت الموازنات السنوية المالية منذ سنة ٢٠٠٣ ولحد الآن والبالغة ١٥٠٠ مليار دولار أميركي عاجزة عن بناء منظومة كهربائية تلبي حاجة العراق من الطاقة الكهربائية المستقرة مع فائض كبير في إنتاجها ليمنع تمرير صفقات غير مشروعة وديون تضر بمصالح العراقيين وتسهم في تبديد ثرواتهم الوطنية؟