22 ديسمبر، 2024 5:54 م

ما يميز ملف أزمة الكهرباء في العراق عن غيره من الملفات العالقة التي عجزت الحكومات المتعاقبة، بعد الاحتلال سنة ٢٠٠٣ عن معالجتها هو تأثيرها المباشر على مختلف القطاعات الحياتية الأساس في المجتمع وكان له الفعل المباشر في إثارة الغضب المتصاعد للجماهير تجاه فشل ما تم إعلانه من إجراءات وحلول وكذلك ضياع التخصيصات المالية الكبيرة التي انفقت هدرًا على جوانب معالجة العجز في المنظومة الكهربائية من دون جدوى والتي تجاوزت أقيامها قرابة المائة مليار دولار .
إن حالة التردي المستمر والمتصاعد في خدمة تجهيز الكهرباء لم يشهدها المواطن
العراقي مثلما يحصل الآن وما سبق ذلك من سنين طوال بعد الاحتلال البغيض سنة ٢٠٠٣ ومنذ دخول الكهرباء إلى العراق في العام ١٩١٧ ولحد ١٩٩١ سنة العدوان الثلاثيني على العراق عندما تعرضت المنشآت الكهربائية للمنظومة الوطنية إلى خراب شبه كامل نتيجة لاستهداف القوات الغازية لها في أثناء هذا العدوان أو حرب الخليج الثانية، كما أطلق عليها، إلا أن العراقيين وبقدراتهم الذاتية تمكنوا من إعادة الحياة إلى ما يمكن من معدات متضررة طالتها الغارات الجوية والصاروخية الحاقدة التي نفذت في تلك الحرب حيث بدأوا، مع إعلان وقف إطلاق النار، المباشرة بترميم المنظومة الكهربائية متحدين إجراءات الحصار الاقتصادي ( ١٩٩١ – ٢٠٠٣ ) التي فرضت على العراق فظهرت بوادر التعافي بالتتابع إلى أن وقع الاحتلال فبدأت معه حالة التدهور التي نشهدها اليوم.
ما يجعل ملف الأزمة الكهربائية أكثر سخونة من غيره هو استمرار طلب المعالجات الخاصة في إصلاح المنظومة الكهربائية من خارج الحدود لتجاوز الفشل في الاداء السليم لها ويجري ذلك بالتغاضي عن امكانيات الملاك الوطني ذي الخبرة الطويلة والتجارب الناجحة، كما يجري التغاضي عن تسخير الموارد المادية المختلفة والمتاحة محليًا ومنع وضعها في مسارات تفكيك مثل هذه الازمات وتصفيرها، مما يؤدي إلى ضياع حجم كبير من الثروة الوطنية فهي تذهب بوساطة عقود واتفاقيات هزيلة لا تراعى فيها شروط المحافظة على هذه الثروة، حيث يسعى اللاهثون وراء هذه الصفقات إلى إعلان الكثير من المسوغات المختلفة لتغطية عيوبها وتمريرها بدهاء.
إن ما يصعق المتصدين لملف أزمة الكهرباء العراقية من ذوي الاختصاص والنشطاء الباحثين عن الحلول أو المحايدين من المهنيين المعنيين في قطاع الطاقة هو عدم الاكتراث والاستجابة الواعية لما يجري عرضه من برامج وخطط محددة للتغلب على اسباب هذه الأزمة وإنهاء ما ينتج عنها من تداعيات إنسانية واقتصادية واجتماعية مختلفة وكثيرة، أما ما يصعق متلقي خدمة الكهرباء المتعثرة من المواطنين فهو استمرار حالة التدهور الحاصل فيها على مدى سنوات طويلة مضت على الرغم من تكرار وعود الحكومات المتعاقبة، بعد الاحتلال وعرض بطولاتها في التغلب على تفاقم هذه المشكلة من دون نتائج واضحة باتجاه الحلول المناسبة لها، من هنا، وعلى جانب آخر، يظهر جليا ً أن ما يجعل ملف القضية صاعقاً هو التقاء شلة من المعاقين وطنيا ً أصحاب المصالح المشبوهة والضيقة ومن المتنفذين في السلطة الحالية عند حدود المحافظة على الأموال الطائلة التي يدرها هذا الملف وسواه عليهم وعلى من يتبعون له من أطراف خارجية فهم يتربصون دائمآ لمن يتصدى لهذا الملف من أصحاب الإرادة النزيهة والمستقلة ليوجهوا إليهم سهام الصعق المناسبة القادرة على تعطيل قدراتهم في تحقيق الخلاص من هذه الأزمة العالقة وغلق ملفها في أقرب وقت ومن غير رجعة.

* مهندس/ رئيس الهيئة الاستشارية في اتحاد النخب والأكاديميين العراقيين.