كثيرة ومختلفة هي تأثيرات الكهرباء المستقرة في حياة المجتمعات، فهي عامل مهم في جميع النشاطات الاقتصادية وتطورها، بنحو سليم، ووتيرة متصاعدة وهي من الشروط المؤثرة والفعالة، وبصفة مباشرة في الجوانب الصحية والأمنية والنفسية للمواطن .
في ضوء هذا، فإن أي خلل أو فشل وفي أي بلد من بلاد الأرض يصيب منظومة تجهيز الكهرباء الوطنية سوف يلقي بتبعاته على مستوى استقرار المجتمع بجوانبه كلها، وهذا ما تتحمل وزره الكابينة الحكومية في البلاد، لأن ذلك يعد مؤشراً مباشراً على تدني الرؤية السليمة لها وإخفاقها في تلبية متطلبات حياة المجتمع، وهي ما يحرك أفراد المجتمع باتجاه المطالبة بتلبية احتياجاتهم المشروعة وبشتى الوسائل المتاحة، ويتحول هذا الحراك وبوتائر متصاعدة إلى فعاليات وأساليب تعبير مختلفة كالتظاهرات مثلاً، وقد يقود هذا إلى التمرد والمواجهة، وهو ما حدث، مؤخراً، في العراق عند اقتحام جمهور غاضب عديداً من مواقع محطات الكهرباء والتهجم على موظفيها ضمن احتجاجات ساخطة على تردي خدمات التزود بالكهرباء مع العلم أن هؤلاء العاملين ليسوا بأصحاب قرارات لا في التخطيط ولا في التنفيذ، ولا يد لهم في اي تقصير أو انهيارات تعاني منهما المنظومة الكهربائية، بل أن ذلك تتحمله الحلقات الحكومية العليا فاقدة النظرة الصائبة والإرادة النزيهة في وضع المعالجات المطلوبة .
وانا أكتب هذه السطور، ذكرت ما قاله المهندس القدير وليد سليم، قبل ٣٥ عاماً من الآن، وكان، في حينها، يشغل وظيفة المدير العام لتوليد ونقل الطاقة الكهربائية في عموم العراق، في أثناء حديثه بمداولة عمل مع الوكيل الأقدم لوزارة الصناعة والمعادن، وكنت قد حضرت جانباً من تلك المداولة، حيث أطلق قولاً مفيداً من ثلاث كلمات وهو: (الكهرباءُ تُسقطُ دولاً)، قال ذلك بمنتهى الثقة وبجرأة أذهلتني، إذ قد يقود هذا القول إلى تبعات غير محسوبة لصاحبه وكذلك دهشت بشجاعة هذا الرجل الذي منّ الله عليه برؤية ثاقبة لتداعيات حالة انهيار خدمة الكهرباء في البلاد.
إن الحكومات الحريصة على مصالح شعوبها تسعى دائماً لامتلاك الوسائل والأدوات، التي تؤمن متطلباتها كافة في العيش الكريم وعدم تعريضها لأزمات متتالية وإلا سوف تكون عرضةً لرفضها شعبياً ومقاومتها وإزاحتها لإحلال بديلٍ عنها يستطيع الإيفاء بشروط العيش الآمن والمستقر باتجاه تحقيق الرفاهية المنشودة .