18 ديسمبر، 2024 8:15 م

الكل يحتاج للجزء .. والأسد يحتاج للفأر

الكل يحتاج للجزء .. والأسد يحتاج للفأر

لايمكن أن يتحقق الإصلاح الناجح دون الإيمان بمشاركة الجميع بهذه المسؤولية الاخلاقية والوظيفية , وأعني بالجميع بدءً من عامل الخدمة الذي يؤدي وظيفته وانتهاءً بمهام رئيس الجمهورية , الجميع مطالبين بأن يؤدوا أدوارهم المناطة لهم على أكمل وجه ضمن أطار المؤسسات التي يعملون بها , زمن المعجزات أنتهى بغير رجعة وحجم التحديات كبيرة وكثيرة , والباري ربط الاسباب بمسبباتها حتى ينجز العمل ,ويد الله مع الجماعة , هنالك من يظن أن المسؤولية تقع على الكبار في السلطة دون المرور بالصغار للمشاركة في تحملها , وهذه نظرية خاطئة فالعمل يكمن في تظافر الجهود , الذين يعملون بين أروقة الاقسام والشعب هم من يقدمون المطالعات ويضعون رأيهم الصائب فيها بعد جهداً جهيد من التفحص والتشذيب والتهذيب بها , وبناءً عليه يتخذ المسؤول رأيه الاخير بهامش يثبت عليها, الاهتمام بشريحة الصغار والمتوسطين من الموظفين يعطي أنطباعاً جميل وخلاق وفاعل ومؤثر في نفوسهم بأنهم جزءاً من دائرة النجاح المكتملة , وهذا يعتمد بالدرجة الاساس على رئيس الدائرة أو المدير المعني بالأمر الذين يعملون بمعيته , فأن كان مديراً ناجحاً ملماً بعمله مستوعباً لهم يعيش معهم حالة الأبوة والقائد والزعيم , يؤثر على نفسه , تكون النتائج مرضية سنجدهم عندئذ يتفانون مخلصين لما يطلب منهم يتسابقون في أنجاز المهام الموكلة إليهم بيئة العمل الصالحة هي من دفعتهم للمضي نحو الأمام, وأن كان العكس بمجيء مديرفاشل متربعاً على كرسي المنصب الذي يُعد أكبر منه , جل همه جنى المال والمخصصات والمكتسبات من موقعه , وتجاهله لهم لأنه في واديٍ , وموظفيه في ودايٍ آخر , سيولد لديهم عزوف عن المثابرة والاجتهاد في مسيرة عملهم وسيلقي بظلاله سلبياً على مجمل العمل , ,هذا يقودني لحكاية من حكايات كليلة ودمنة تقول :
يُحكى أن أسداً استيقظ من نومه فجأة على أثر سقوط فأر على إحدى قدميه الأماميتين. اضطرب الأسد في عرينه، لكنه إذ رآه فأرا أمسك به وبكل سخرية قال له: “ألا تعلم أن ملك الحيوانات نائم؟ كيف تجاسرت ودخلت عرينه؟ كيف تلعب وتلهو ولا تخف منه؟
أدرك الفأر أن مصيره الموت المحتوم، فتمالك نفسه وقال:سيدي جلاله الملك، إني أعلم قوتك العظيمة وسلطانك.إني فأر صغير للغاية أمام قوة جبروتك.
لا يليق بملك عظيم أن يقتل فأرًا صغيرًا محتقرًا.إني لا أصلح أن أكون وجبة لك، إنما يليق بك أن تأكل إنسانًا أو ذئبًا سمينًا أو ثعلبًا الخ.أرجوك من أجل عظم جلالك أن تتركني”.
في استخفاف شديد قال له: “ولماذا أتركك وأنت أيقظتني من نومي؟ فإن الموت هو أقل عقوبة لك… فتكون درسًا لأخوتك!” بدموع صرخ الفأر: “يا سيدي الملك. الكل يعلم عظمتك ويدرك أنه لا وجه للمقارنة بينك وبيني أنا الضعيف والصغير جدًا. ارحمني واتركني هذه المرة، وأعلم يا سيدي أنه ربما تحتاج إلىّ!” ضحك الأسد مستهزءً وهو يقول: “أنا أحتاجك، كيف تتجاسر وتقول هذا؟” اضطرب الفأر جدًا، لكنه تجاسر فقال: “سيدي جلالة الملك، اتركني، وسترى بنفسك حاجتك إلى ضعفي”.
ألقاه الأسد وقال: “سأرى كيف يحتاج ملك الوحوش إلى من هو مثلك”.
أنطلق الفأر جاريًا وهو يقول: “شكرًا يا سيدي الملك. أن احتجت إلى إزأر ، فتجدني في خدمتك”.
بعد أيام قليلة سقط الأسد تحت شباك صياد ماهر، فزأر الأسد بكل قوة. اضطربت كل حيوانات البرية فزعًا، أما الفأر ما ان سمع زئير الأسد حتى انطلق نحو الصوت.
فرأته الحيوانات يجري فسألته عن السبب، فقال لهم: “أني اذهب إلى جلاله الملك لأفي بوعديّ!” ذهب الفأر إلى الأسد فوجده حبيسًا في شبكة صياد. فبدأ يقرض الشبكة بكل قوته، وكان العمل شاقًا للغاية. و قرض جزءً كبيرًا فنطلق الأسد من الشبكة وهو يقول: “الآن علمت أن الملك مهما بلغت قوته وعظمته لن يتمتع بالحياة والحرية دون معونة الصغار الضعفاء,كل كائن محتاج إلى غيره!”