18 ديسمبر، 2024 6:51 م

الكلام في كتاب الله بغير علم

الكلام في كتاب الله بغير علم

لاشك ان كتاب الله للكل واوامره على الكل ونواهيه للكل، ولكن فهمه ليس للكل.وهذا لايقدح في توجيهه الجمعي ولاينقص من اثره العام او يجعله كتابا للنخبة (كما يروج اصحاب الاغراض) ،
بل انه امر عقلي منطقي لابد ان يرد على هذا الشكل ، ولذا قال الله تعالى عن كل حادث مستجد او امر مهم ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِى ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْ ﴾ فقاس بعض الاصوليين انه اذا كان في امور الخوف والامن يتحرى الناس اولي الامر واولي العلم ، فكيف بامر القران واحكامه.
ولذا فعند وصف الله تعالى لايات القران المتشابهات وفهم الناس المتفاوت لها بين رجل جاهل او في قلبه زيغ قد يتبع ماتشابه منه، وبين عالم يفهمه ، قال عز من قائل :﴿وَٱلرَّٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ﴾
فمن غير المعقول ان نساوي بين من لايحسن القراءة وبين عالم اللغة في فهم نص ما والحكم عليه، وهذا يقر به الناس حتى في امر الشعر ومادونه . فكيف يلاحون به في امر اجل منه وهو القران ومايتبعه من صلاح امر الدنيا وفلاح امر الاخرة والدين.!
كثير ممن يتنطعون اليوم بيننا و يحملون على المفسرين و موروثنا منهم ، بل وعلى اهل المذاهب والمدارس والكتب الفقهية ويجادلونهم ويحاججونهم غيابيا ، وقد صدقوا انفسهم ان هذا حق خالص لهم و لكل احد ان يخوض في هذا الامر حيث الدين للكل ،هم لايحسنون مما احسنه اسلافهم من العلوم معشارهم ولامد ادناهم ولانصيفه.ويقولون نحن رجال وهم رجال!
طيب ، رجل لايحسن قراءة اية قرانية بشكل صحيح وعلى اصلها المنزل من رب العزة ، كيف يفسرها ؟ . انت لاتحسن القراءة والنطق بالانكليزية الا ركيكا، كيف تشرح لي قصيدة ل Tenyson او Robert Berns .
القران للكل لاخلاف ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ﴾ صحيح ولكن ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ قال العلماء “فهل من طالب علم بالقران وحفظه وذكره وتلاوته وفهمه فيعان عليه”.
فهو علم، ولكنه علم يسره الله لمن اخلص النية واجتهد واستحصل ادواته ، فلا يصح عقلا ان ندعي ان القران ولانه من الله ولعباد الله فانه يمكن ان يقراه من لايقرا ماهو دونه ، ويفهمه من لايفهم ما هو اقل منه!.
و ما اختلفنا انه للجميع ، وللذكر وللتذكير وللدعوة الى الله ، فقال سبحانه في موضع آخر ﴿فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا﴾ ولكن الله قال ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ فاذن هناك اهل ذكر وعلم ، وهناك من (لايعلمون)، وفي هذا يقول السعدي الحجازي في تفسيره :
“وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم ، حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال.
وأفضل أهل الذكر أهل هذا القرآن العظيم، فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم، ولهذا قال تعالى: وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ أي: القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج إليه العباد من أمور دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة ، لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ ، وهذا شامل لتبيين ألفاظه وتبيين معانيه، وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فيه ، فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم وإقبالهم عليه”انتهى من (تفسير السعدي 1 / 441).”
ولذلك قال الله عن المدعين علما من اهل الكتاب ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ فاذن هناك من عباد الله اميون لايمكن ان يعلموا كتب الله او يفهموها ، واغلب اهل عصرنا -من اصحاب الشهادات- اميون بالمعنى العام للكلمة ، اميون في علوم وجب استحصالها لفهم كتاب معين ، فانا امي في الفلك ، وانت امي في الفلسفة ، و ذاك المهندس امي في الطب ، وليس في ذلك قدح في عموم الرسالة ، ولا في عكسه دليل على قدرة كل احد على العلم بكتاب الله وتفسيره .
وهذا ماعليه اجماع الامة ، “ومن انكر الاجماع – لمن ينكره-اراد الفوضى ومهاترات الاستدلال” فالصلوات خمس من الاجماع و صفة الوضوء قبل الصلاة من الاجماع نقلا عن افعال النبي ، والمعلومات من الدين بالضرورة اغلبها من الاجماع. وكذا اشتراط العلم والاته في التكلم عن كتاب الله عليه اجماع.
فكتاب الله للجميع ودينه للجميع مااختلفنا ، ولكن الفهم والعقل والتفسير واستنباط الاحكام من ادلتها تتبعا لعلم الاصول من كلام ولغة وحقيقة و مجاز ومنطوق ومفهوم و شروط اجتهاد و اسس افتاء امر ليس للكل ، ولا يتهيأ للجميع .
فالعلم درجات والفهم درجات ، فالله تعالى يخاطب الكل دون شك .
انا مدرس اخاطب الكل ، لكن هل جميع طلابي فهموا فهما واحدا واخذوا علامة واحدة؟ وهذا الكتاب تعليم وتعلم و دراسة،
النبي عليه الصلاة والسلام قال : “انما انا قاسم والله المعطي”
والله تعالى قال :
﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ وقال ﴿وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾
بعلمون من؟ ان كانت الناس كلها تفهم مباشرة من الكتاب والانجيل والتوراة والزبور؟ ويدرسون ماذا؟ ولماذا خاطبهم الله بهذا.!
وبعد،، فيحزننا ان نرى الناس اليوم يحترزون لكل شيء في شؤون دنياهم الا في امر دينهم ، فهم يتوجهون الى افضل من يستطيعون نواله من البناء والنجار والطبيب والبزاز ، حتى اذا بلغوا امرا في دينهم استيسروه ، وعمدوا الى كل من ادعى فاخذوا منه وصدقوه رغم انه امر الاخرة والحياة الابدية ،التي ما حياتنا -التي نتحرى في شؤونها العلماء والمختصين والماهرين – الا معبر اليها .