19 ديسمبر، 2024 12:52 ص

الكرسي وذهان النفط!!

الكرسي وذهان النفط!!

الذهان يعني الجنون أو فقدان قدرات التواصل مع الواقع القائم من حول الشخص وإنقطاعه عنه , والعيش في عوالم أوهامه وهلاوسه وهذياناته المتنوعة.
وعندما يقترن الكرسي بالنفط يصيب صاحبه بذهان شديد , ينتهي به إلى مآلات عجيبة وتداعيات غريبة , فالنفط لا يرحم الذي يستحوذ عليه , ويُشعره بأنه مُغتَصَب , لأنه من حق وطن ومواطنين , ولا يجوز للكرسي أن يستعبده ويمتهنه.

وعلة المجتمعات النفطية أنها لم تستطع إبتكار آليات للتحكم بعائدات النفط , وجعلتها ملكا مشاعا للكراسي المتسلطة على الناس , فكل كرسي يحسب نفسه صاحب الحق المطلق بالنفط , مما أربك الحياة السياسية , وأعجز الحكومات عن القيام بواجباتها تجاه المواطنين , ذلك أن أصحاب الكراسي أصابهم ذهان النفط وأفقدهم بصيرتهم وتبصرهم.

والسبب أن النفط يدر أموالا هائلة لا يستوعبها عقل الشخص فيعيش مأخوذا بها ومأفونا بتوافدها المتواتر الذي لا يستطيع تصريفه , فيجنح إلى نفسه الدونية التي تنفلت مساوؤها وتندلع رغائبها , فيدخل في دوامة إتراع جيوبه بالمال , ودفنها في أرصدة البنوك العالمية , فيحرم نفسه وشعبه منها , لأنها حالما ترقد في البنوك الأجنبية يتحقق إستثمارها في بلدانها , ويصعب على مودعها التصر ف بها بحرية كما يتوهم.

ومن الأمثلة على إضطراب السلوك أو ذهان النفط , ما حصل في الأمم المتحدة عندما حاولت أن تنفذ قرار ” النفط مقابل الغذاء” , وكيف أن هذه المنظمة العالمية اصيبت بالذهول لكثرة الأموال التي تواردت إليها , فإنطلقت النفوس الشرهة وعم الفساد , ونُهب منها ما نُهب.

وعليه فالمجتمعات النفطية لا يمكنها أن تبني نظاما سياسيا صالحا وتأتي بحكومات تخدم الشعب , إلا بإبتكار الوسائل القانونية الصارمة التي تحافظ على واردات النفط , وتؤمّن تصريفها بما يخدم الوطن والمواطنين , ومن دون ذلك , فالفساد قرين النفط , والديمقراطية لا تتحقق في بلد واردات نفطه مشاعة للكراسي والقوى المتسلطة على رقاب المواطنين.

تلك حقيقة دامغة ونمطية سلوكية متكررة , فالبشر لا يستطيع إستيعاب ما يدره النفط من أموال هائلة , وسيصاب بذهان ما مهما إدّعى غير ذلك , فتأملوا ماذا فعل أصحاب الكراسي بأموال النفط , وكيف أنهم سخروها لمنافعهم الشخصية البحتة , وذلك بشراء ما لا يخطر على بالهم من الممتلكات في أرجاء الدنيا , وكأن أموال النفط أموالهم الخاصة , ولابد لهم أن يتوهموا بذلك لغياب القانون الوطني الذي يحمي واردات النفط من الفساد والضياع.

فهل سندرك أصل الويلات ونتعافى من طاعون واردات النفط؟!!