أيها الكرسي سأخلع جلبابي وثوبي وأرتدي أثوابا من الحرير والديباج , وأضع على رأسي تاجا مزينا بمجوهرات الدنيا وما فيها.
إنه الكرسي الذي يملي إرادته على الجالس فيه , فحالما تلامسه مؤخرة الشخص تنفلت في أعماقه نوازع النفس الأمّارة بالسوء , وتجرّده من آدميته وإنسانيته , وترعى الوحش الشرس الكامن فيه.
فالكرسي يأنس بالأشرار المتوحشين , ويزدهي بالقسوة والجبروت , وفي أحضانه يترعرع الإستبداد والطغيان , والعدوان على حقوق المواطنين , ويكون الظلم دستورا , والرب عبدا.
الكراسي ينمو في أرحامها الطغاة والفاسدون والظالمون , ويتجردون من الروية والحلم , وتكون لهم اليد العليا , فأما الخضوع أو النطوع.
وأدركت عدد من الشعوب التأثيرات المرعبة للكراسي على حاضرها ومستقبلها , فأوجدت أنظمة دستورية لتوزيع مراكز القوى , ومنعها من التمركز في كرسي واحد , فصارت أوطانها محكومة بدستور ينظم تداول السلطة , وتحتكم إليه جميع الأطراف , لتأمين الإستقرار والسيادة الوطنية.
ويمكن تقدير درجة معاصرة أية دولة في العالم بمدى سيادة الدستور الوطني فيها , فكلما ظهرت بأخلاق وضوابط دستورية , كلما إقتربت من العصر وتمتعت بالقوة والعزة الوطنية , وكلما إبتعدت وإرتهنت بكرسي مشخصن أو فئوي , فأنها تضعف وتتحول إلى فريسة للقوى الأخرى.
ومعظم الدول التابعة المناهضة للبناء الوطني والكرامة والسيادة , يتسلط فيها الحفاة العراة المتسكعون في بلاد الآخرين , فينتهزونها فرصة للنهب والسلب , وحشو البنوك الأجنبية بما يستحوذون عليه من الأموال , فيعيشون في رفاه وثراء والشعب في إملاق.
ولن تجد أحداً يغادر الكرسي مثلما جلس عليه , بل صار متخوما بالسرقات ومدينا بالفساد , ومتحدثا عن ربه الذي يرزقه بغير حساب , وكل ما فعله مشرعن بفتاوى الغادرين بالدين , والمتاجرين بأسمى قيم ومعاني رسالات رب العالمين.
فتنعم بالوطن الكرسي , وغيرك في أسفل السافلين!!
وتلك حقيقة مجتمعات تركع عند أقدام الجائرين!!