23 ديسمبر، 2024 5:53 ص

الكرسي هو القوة القاهرة والمتسببة بالويلات الجسام منذ الأزل , ولهذا كان الكرسي محرّما على العامة حتى قرونٍ قريبة , لمخاطره ودوره العدواني في السلوك البشري , فالكرسي من أشرس الأدوات العدوانية التي إبتكرها البشر.
فالثورات تأكل رجالها , والأحزاب تتناسى عقائدها , والأديان تغادر قيمها وأخلاقها , وكل شيئ يتخلى عن طبيعته حالما يكون الكرسي موطنه.
كل ما يدور في الواقع المُعنّى بالصراعات سببه الكرسي , والكرسي وحسب!!
فالكرسي قوة مطلقة ومدار يتحرر فيه البشر من القيود والروادع , وتنفلت في دنياه أمّارات المساوئ والرغبات والمطمورات العجيبة , التي تكنزها نفسه وقد تعتقت فيه على مر الأجيال.
وفي هذا السياق تتشابه الكراسي ولا فرق بينها في جميع بقاع الأرض مهما توهمنا وتصورنا , فالكرسي يسند المؤخرة ويعبّر عما يتصل بها , وتلك حقيقة سيئة فاعلة في أيام البشر الذي يتخنع للكرسي ويتعبّد في محرابه , ويتوهم بأنه يؤدي طقوسا ما!!
ومن الحقائق المغفولة أن الكرسي لم يكن له وجود في الحياة العربية ,فلم يكن للرسول الكريم كرسيا أو لأحد الخلفاء الراشدين , وإنما كانت لهم منابر يتفاعلون منها مع الناس , ولم تدخل الكراسي في الحياة العربية إلا في الدولة الأموية.
ويبدو أن الإدراك الحقيقي لمخاطر الكرسي كانت قائمة في وعي المسلمين الأوائل , لكنها دخلت إلى سلوكهم بعد إحتكاكهم بالأمم والشعوب الأخرى.
وبدخول الكرسي في الحياة العربية إنطلقت التفاعلات السلبية وإحتدمت الصراعات , لأنه صار يرمز للسلطة والقوة والقيادة والمسؤولية والتحكم بمصير الأرض والبشر , وبسببه عمّت الشرور وتقاتلت الأمم وإنتشر الوعيد والخطر.
وتجد العرب اليوم وعلى مدى القرن العشرين في محنة الكرسي وكيفيات الإستحواذ على السلطة من قبل هذا وذاك أو هذه الفئة أو تلك , ويقوم العرب بفعل كل شيئ من أجل الإمساك بالكرسي العتيد , الذي يحسبونه الدين والوطن والغنيمة الكبرى , التي لا مناص من الإمساك بها حتى الموت.
ولهذا فأن المشاكل العربية لا يمكنها أن تصل لحل ما دام الكرسي هو الهدف , فالعرب لم يتوصلوا لصيغ معاصرة للتعامل معه وتحجيم دوره بدستور رادع وفاعل في حياتهم , وإنما يتداولونه كما تتداول وحوش الغاب القوة والهيمنة والتحكم بمصير الموجودات الأخرى من حولها.
أي أنهم لايزالون بعيدن عن التعامل الحضاري مع الكرسي , فهم منهمكون بالسلوك الغابي المتوحش القاسي عندما يتعلق الأمر بالكرسي.
وعليه فأن تشريع الدساتير الكفيلة بتحديد دور الكرسي في حياة العرب من أهم الخطوات التي تضمن حاضرهم ومستقبلهم , وإلا فأن نواعير المآسي ودوامات الكراسي ستبقى فاعلة في صناعة الجحيمات العربية المستعرة دوما!!