22 ديسمبر، 2024 11:56 م

الكرد وتحقيق أحلام الدولة المنشودة

الكرد وتحقيق أحلام الدولة المنشودة

يمثل مفهوم الاستفتاء بشأن استقلال كردستان لدى الساسة الأكراد ، ليس إقامة دولة كردية مستقلة فحسب، بل هي محاولة انفصال تام عن الجسد العراقي، وما يمثله هذا الانفصال من اقتطاع كامل للجذور الثقافية والحضارية والتاريخية والاجتماعية المشتركة بين أبناء البلد الواحد.

ورغم ان هذا الاستفتاء يمثل نقطة أولى نحو تحقيق الحلم الكردي بإقامة دولة خاصة بهم لا تخضع لأي حسابات أو أي ضغوطات، وهي بمثابة الانعتاق من سلطة المركز التي لم يعترف الأكراد بها طوال 14 عاما، لكن هذه المحاولة تضع عدة اعتبارات وأسئلة لما بعد الاستقلال، وهي المرحلة الأصعب التي يواجهون فيها العالم.

ماذا يريد الأكراد بعد او قبل الاستقلال في حال تحقق ذلك؟، ما هو الموقف من الـ 17% من الموازنة السنوية ؟ كيف يتم التعامل مع الموظفين الأكراد داخل وخارج بغداد؟، الموقف من الدرجات الخاصة والسفراء والقنصليات حول العالم.

كيف يتم التعامل أيضا مع المستثمرين والمقاولين ، والاهم من كل ذلك ما هي المساحة التي ستعلن من خلالها الدولة الكردية، وكيف يمكن حسم ملف المناطق المتنازع عليها، وموضوع كركوك، وملف الآبار النفطية ؟

تشير سير الأحداث إلى ان كل هذه الملفات المعقدة لا يمكن حلها بشكل سريع، ومن خلال الحوار الداخلي فقط، الذي يبدو أن ليس فيه سعة أفق سوى مزيد من التشنج، والعبور بمشروع الاستقلال بهذه المشاكل لن يزيد الأمور إلا تعقيدا.

تأتي تلك المساعي، في الوقت الذي لطالما سعى من خلاله الساسة الأكراد إلى زراعة روح العنصرية والانفصال واستغلال أقسى الظروف التي يمر بها العراق، ومحاولة انتزاع أي مساحة من الأرض طالما تكون هنالك فرصة سانحة.

شخصيا وربما الكثير مثلي لا يرون بالاستقلال مشكلة طالما انه يقلل من تشنج الخطاب السياسي وتقليل العبء على بغداد، لكنه يأتي في ظرف وزمان غير مناسبين، الاستقلال او الانفصال لا يأتي بهذه الطرق، بل يحتاج لبيئة ومناخ سياسي مستقر، وليس محاطا بالأزمات.

من الناحية الاقتصادية وبحسب وزارة الموارد الطبيعية في كردستان فأن مقدار الاحتياطي النفطي يصل الى 45 مليار برميل بما فيها حقول المناطق المتنازع عليها، ويشكل بذلك نسبة 30% من الاحتياطي النفطي العراقي، وهي نسبة كبيرة مقارنة بحجم الإقليم.

وإضافة لمشاريع النفط، تمثل السياحة موردا مهمة للإقليم بشكل دائم، لكن كل ذلك لم يستطع الأكراد النأي بأنفسهم عن الأزمات المالية والاقتصادية التي لحقت بهم، إضافة للموقف الإقليمي لبعض الدول الرافضة لقيام أي دولة .

ومع كل العقبات التي تواجه مساعي الأكراد نحو الاستقلال، لا يزال موقف المواطنين غير واضح، فيما يبدو ان إجراء الاستفتاء بهذا الشكل هو محاولة القفز على الحبال، سيما وان هناك تخوف من هذه فكرة ، في ظل ازدياد مشاكل الأحزاب الكردية وتمسك أسرة البارزاني بالسلطة، وممارستها نفوذا دكتاتوريا بشكل ملحوظ لقمع المعارضين.

كل ذلك جعلت من الشعب الكردي متباين بشأن استقلاله، ويتخوف مما قد تستطيع الإدارة الحالية تحقيقه، وبجميع الأحوال فأن الموقف الشعبي لا يزال مرتبكا، بشأن تحديد مصيره، بعيدا عن الطموحات السياسية التي تسعى لشفط كل شيء تقريبا.

لكن الأهم من ذلك فيما لو حصل الاستفتاء من يضمن إجراء العملية بنزاهة تامة حتى لو كان هناك مراقبون دوليون يشرفون على عملية التصويت، ما هو الضمان الحقيقي بعدم وجود تلاعب بالنتائج ؟

أخيرا، نقول بأن للحرية ثمن، اذا كان الأكراد يعتقدون بأنهم راغبين بشكل حقيقي في الانفصال بشكل تام، عليهم ان يضعوا في حساباتهم كل المشاكل التي عجزوا عن حلها، وايضا النظر لموقف الاعتراض الدولي وموقف بغداد من كل تلك الفوضى التي يسعى الى استغلالها الإقليم من اجل استثمارها لصالح الاستقلال.