17 نوفمبر، 2024 9:52 م
Search
Close this search box.

الكرد من منظور علماء الشيعة الاثني عشرية

الكرد من منظور علماء الشيعة الاثني عشرية

دراسة تحليلية نقدية
الشعب الكردي غالبيته مسلمون على مذهب أهل السنة والجماعة بنسبة (80%) وفق مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهذا ما انعكس بوضوح على البنيات العقدية والفكرية والثقافية والاجتماعية لهذا الشعب، وما ترتب على ذلك من عادات وتقاليد وأفق تاريخي وممارسات حياتية.
ومع ذلك فإن الكرد يكنون حباً عميقاً لأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا يبدو واضحاً في كثرة تسمية أبنائهم بأسماء أهل البيت أمثال: علي وفاطمة والحسن والحسين وجعفر (رضوان الله عليهم)، فضلاً عن إنتشار الطرق الصوفية في كردستان كالقادرية والكسنزانية التي تنتهي بمرجعيتها الى شخصيات تنتهي بنسبها الى البيت النبوي.
ولكن رغم ذلك جاءت العديد من الروايات والآثار المنسوبة إلى أئمة الشيعة الاثنى عشرية وتحديداً الإمام علي بن أبي طالب والإمام السادس جعفر الصادق والإمام الثاني عشرالمزعوم (=المهدي المنتظر)، وهي تحض على مقاطعة الكرد وعدم إقامة علاقات المصاهرة والتجارة معهم باعتبارهم قوما (من الجن كشف الله عنهم الغطاء). كما تترد في هذه الروايات العديد من حالات الاحتكاك والاحتقان السياسي التي ستجري في المستقبل أو جرت فعلاً في زمن ورود هذه الروايات أو ما قبلها.
ويرجح العديد من الباحثين سبب صدور هذه الروايات المفبركة على لسان الأئمة (رضوان الله عليهم) إلى العداء التاريخي الذي نشأ بين الكرد والشيعة على خلفية أن أعظم قائد كردي في التاريخ الإسلامي وهو صلاح الدين يوسف بن أيوب مؤسس الدولة الأيوبية، قد قضى على أكبر دولة شيعية في التاريخ الإسلامي (الفاطمية – العبيدية) عام 567هـ ؛ وأرجع مصر حاضرة هذه الدولة إلى حظيرة الخلافة العباسية السنية.
بقول ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ في كتاب ( ذيل طبقات الحنابلة) في ترجمة نور الدين بن عمر بن عبد الرحمن البصري الضرير المتوفى سنة 684هـ : ” كانت له فطنة عظيمة، وبادرة عجيبة. أنبأني محمد بن ابراهيم الخالدي – وكان ملازماً للشيخ نورالدين بن عمر البصري حتى زوجه الشيخ ابنته – قال: عقد مرة مجلس بالمستنصرية للمظالم، وحضر فيه الاعيان، فاتفق جلوس الشيخ الى جانب بهاء الدين بن الفخر عيسى، كاتب ديوان الانشاء، وتكلم الجماعة. فبرز الشيخ نور الدين عليهم بالبحث، ورجع الى قوله، فقال له ابن الفخر عيسى: من أين الشيخ؟ قال: من البصرة. قال: والمذهب؟ قال: حنبلي. قال: عجباً! بصري، حنبلي؟ فقال الشيخ: هنا أعجب من هذا: كردي رافضي! فخجل ابن الفخر عيسى وسكت. وكان كردياً رافضياً والرفض في الاكراد معدوم أو نادر”.
ولكن رغم ذلك يستطيع المراقب تتبع العديد من الآثار والأحاديث المنسوبة إلى الإمام جعفر الصادق ترجع إلى بداية القرن الرابع الهجري، وتشير إلى ما ذكرناه آنفا بخصوص مقاطعة الكرد وعدم مصاهرتهم ومقايضتهم.
وهذه الروايات و الأحاديث جاءت في أمهات الكتب الشيعية: ككتاب (الكافي) لثقة الاسلام (محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة 329هـ/939م)، الذي يعد اصح كتاب للاحاديث عند الشيعة الاثنا عشرية ؛ على غرار كتاب الامام البخاري عند اهل السنة والجماعة.
والمهدي المنتظر يقول بشأن كتاب الكافي : ” بأنه كافِ لشيعتنا؟ “، لذلك فان العديد من شهادات التزكية والتأييد من قبل علماء وفقهاء الشيعة انصبت لمصلحة الكليني، يقول شيخ الطائفة الطوسي : ” ثقة عارف بالاخبار!” وفي مورد آخر يقول:” ثقة وعالم بالاحاديث والاخبار!”، ويقول أسد الله الشوشتري :” ثقة الاسلام وقدوة الانام وعلم الاعلام!، المقدم المعظم عند الخاص والعام الشيخ ابي جعفر محمد بن يعقوب الكليني”، أما الاردبيلي فيقول بشأن الكليني: ” شيخ أصحابنا في وقته بالري(= عاصمة اقايم الجبال – جنوب طهران الحالية) ووجههم وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم!، صنف كتاب الكافي في عشرين سنة؟”.
وفيما يلي نذكر ثلاث من روايات الكافي للكليني، وعنه نقل العشرات من علماء ووفقهاء الشيعة هذه الرواية في مختلف العصور، وأضافوا اليها روايات اخرى نقلا عن امام الشيعة السادس جعفر الصادق المتوفى سنة 148هـ .
روى (الكليني) في كتاب (الكافي) الجزء(5) الصفحة 158 عن (أبى الربيع الشامي) قال: ” سألت أبا عبد الله (= جعفر الصادق) عليه السلام فقلت: إن عندنا قوما من الأكراد، وأنهم لا يزالون يجيئون بالبيع ، فنخالطهم ونبايعهم ؟ قال: يا أبا الربيع لا تخالطوهم ، فان الأكراد حي من أحياء الجن، كشف الله تعالى عنهم الغطاء فلا تخالطوهم”.
وجاء في رواية اخرى للكليني نقلاُ عن كتاب الكافي الجزء (5) ص (352):” لا تنكحوا من الأكراد أحدا فإنهم جنس من الجن كشف عنهم الغطاء “.
وفي رواية ثالثة للكليني في كتابه (الكافي) ايضاً: ” إنه كتب إليه يسأله عن الأكراد، فكتب إليه لا تنبهوهم إلا بحد السيف”.
من جانب اخر يذكر (الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المتوفي سنة 381هـ /991م) في كتابه (علل الشرائع) الجزء الثاني، الصفحة 527 بخصوص نفس الموضوع في باب (العلة التي من أجلها يكره مخالطة الاكراد)، يقول :” حدثنا سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد عن على بن الحكم عمن حدثه عن ابي الربيع الشامي ، قال سألت ابا عبدالله عليه السلام (= جعفر الصادق) فقلت له ان عندنا قوماً من الاكراد يجيئونا بالبيع ونبايعهم فقال ياربيع لاتخالطهم فان الاكراد حي من الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطهم “.
وفي رواية اخرى له قال: “حدثنا الحسن بن مئتل عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن بعض عمن حدثه عن ابي الربيع الشامي، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام فقلت ان عندنا قوماً من الاكراد انهم لا يزالون يجيئونا بالبيع نخالطهم ونبايعهم فقال يا ابا الربيع لا تخالطهم فان الاكراد من الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطهم”.
ومما تجدد الاشارة اليه ان القمي ادرج باب العلة التي من اجلها يكره مخالطة الاكراد بين بابين آخرين لايقلان عن الباب المذكور سوءاً وهما: (علة معاملة أصحاب العاهات)، وباب (العلة التي من أجلها يكره مخالطة السفلة).
ويقول شيخ الطائفة الشيعية (محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460هـ/1069م) في كتابه (النهاية في مجرد الفتاوى والاحكام)، ص373 : ” وينبغي أن يتجنب مخالطة السفلة من الناس والأدنين منهم، ولا يعامل إلا من نشأ في خير، ويجتنب معاملة ذوي العاهات و المحرفين. ولا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد، ويتجنب مبايعتهم و مشاراتهم و مناكحتهم” .
وجاء في الكتاب الآخر للطوسي (تهذيب الاحكام) وهو من كتب الحديث الاربعة المعتمدة عند الشيعة الاثناعشرية في الجزء (7)، ص 11، ما نصه: ” حدثني أحمد بن إسحاق أنه كتب إلى (أبي محمد) يسأله عن
الأكراد فكتب إليه:” لا تنبهوهم إلا بحر السيف (أي القتل)”. جاءت كلمة (حر) في لسان العرب لأبن منظور، بمعنى أي القتل اشتدَّ “.
وقال محمد بن إدريس العجلي الحلي المتوفى سنة 598هـ/1201م) في كتابه ( السرائرالحاوي لتحرير الفتاوى) الجزء(2)، ص233:” ولا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد، ويتجنب مبايعتهم ، و مشاراتهم، و مناكحتهم “. وذلك راجع حسب اعتقاده؛ إلى كراهية معاملة من لا بصيرة له، فيما يشتريه، ولا فيما يبيعه، لأن الغالب على هذا الجيل، والقبيل، قلة البصيرة، لتركهم مخالطة الناس، وأصحاب البصائر”.
وقال يحيى بن سعيد الحلي :” ويكره مخالطة الاكراد ببيع وشراء ونكاح” (الجامع للشرايع، ص245).
وقال الحلي ايضا :”مسألة : يكره له معاملة الاكراد ومخالطتهم ويتجنب مبايعتهم ومشاركتهم ومناكحتهم لما رواه الشيخ عن ابي الربيع الشامي قال سالت ابا عبد الله عليه السلام قلت ان عندنا قوما من الاكراد وانهم لا يزالون يجتنبون مخالطتهم ومبايعتهم فقال عليه السلام يا ابا ربيع لا تخالطوهم فان الاكراد حي من احياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم وكذلك يكره معاملة اهل الذمة” (منتهى المطلب الحلي ج2، ص 1003 )، (تذكرة الفقهاء للحلي، ج 1، ص 586)، (جواهر الكلام – للشيخ الجواهري ج 22، ص 457 )،(علل الشرائع – للشيخ الصدوق ج 2، ص 527 ).
وعن جعفر الصادق ينقل رواية مفادها:” لا تنكحوا من الاكراد احدا فانهن جنس من الجن كشف عنهم العظاء” (تذكرة الفقهاء العلامة الحلي ج 2، ص 569).
وفي رواية اخرى، عن أبي الربيع الشامي قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام:” لا تشتر من السودان أحدا، فإن كان لا بد فمن النوبة، فإنهم من الذين قال الله تعالى (ومن الذين قالوا أنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به) إنهم يتذكرون ذلك الحظ، وسيخرج مع القائم منا عصابة منهم ولا تنكحوا من الاكراد أحدا فإنهن جيش من الجن كشف عنهم الغطاء” (المهذب البارع، لابن فهد الحلي،3/182)، (مسالك الأفهام، للشهيد الثاني ج3 ص 186)، وانظر المهذب البارع لابن فهد الحلي ج3 ص 182 تجد فيه بابا بعنوان (باب من كره مناكحته من الاكراد والسودان وغيرهم ج5/ 352 ،(مجمع الفائدة – المحقق الأردبيلي ج 8، ص 129)، (وسائل الشيعة الى تحصيل مسايل الشريعة، للحر العاملي ج 2 ، ص 84 – وج 21، ص 307.
وفي رواية ثالثة:” وينبغي ان يتجنب مخالفة السفلة من الناس والادنين منهم ولا يعامل الا من نشأ في الخير ويكره معاملة ذوي العاهات والمحارفين ويكره معاملة الاكراد ومخالطتهم ومناكحتهم”، (كفاية الأحكام- المحقق السبزواري ص84)،( الحدائق الناضرة – المحقق البحراني ج 81، ص 40 – و ج 42 ، ص 111)،( جامع المدارك – السيد الخوانساري ج 3، ص 137) ،( تهذيب الأحكام – الشيخ الطوسي ج 7 ، ص 11 )، (وسائل الشيعة الى تحصيل مسايل الشريعة – الحر العاملي ج 71 ، ص 416)، (جامع الرواة – محمد علي الأردبيلى ج1، ص 75 1 و ص 102 باب اختيار – الازواج، وفي (في باب من كره مناكحته من الاكراد).
وجاء في كتاب بحار الانوار (لمحمد بن باقر المجلسي المتوفى سنة 1110هـ/1699م)، وفي غيرها من الكتب : ” ينبغي أن يتجنب مخالفة السفلة من الناس والأدنين منهم، ولا يعامل إلا من نشأ في الخير ويكره معاملة ذوي العاهات والمحرفين ويكره معاملة الأكراد ومخالطتهم و مناكحتهم”.
وفي رواية للحر العاملي المتوفى سنة 965هـ/1586م في كتابه ( الفصول المُهمّة) جاءت:
” سُئل الصادق عليه السلام عن سبي الأكراد إذا حاربوا، ومن حارب من المشركين، هل يحل نكاحهم وشراؤهم ؟ قال : نعم “.
وقد نقل هذه الروايات العشرات من علماء وفقهاء ومراجع الشيعة في مختلف العصور، في كتبهم المعتمدة لدى الطائفة؛ ولا زالت تدرس في حوزاتهم العلمية الى وقت كتابة هذا المقال، ومن أبرز هؤلاء العلماء والفقهاء، حسب التسلسل التاريخي لوفياتهم :
1- علل الشرائع، للصدوق القمي المتوفى سنة 381هـ/991م.
2- من لا يحضره الفقيه، للصدوق القمي.
3- تهذيب الاحكام، لشيخ الطائفة الطوسي المتوفى سنة 460هـ/1069م.
4- النهاية في مجرد الفتاوى والاحكام، للشيخ الطوسي.
5- السرائرالحاوي لتحرير الفتاوى، لمحمد بن ادريس العجلي الحلي المتوفى سنة598هـ/1201م.
6- تذكرة الفقهاء، للحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المتوفى سنة 726هـ/1336م ، تلميذ نصير(الدين) الطوسي ، وهو صاحب كتاب (منهاج الكرامة) الذي رد عليه شيخ الاسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ/1338م بكتاب ( منهاج السنة في الرد على الشيعة والقدرية).
7- الجامع للشرائع، ليحيى بن سعيد الحلي المتوفى سنة 689هـ/1290م.
8- منتهى الطلب في تحقيق المذهب، لجمال الدين أبو منصور الحسن بن سديد الدين يوسف زين الدين علي بن محمَّد ابن مطهر الحلّي، المعروف بالعلاّمة الحلي المتوفى 771هـ/ 1370م.
9- المهذب البارع في شرح المختصر النافع، لأحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الاسدي المتوفى سنة841هـ/1438م. وهو تلميذ الشيخ محمّد بن مكّي العاملي المعروف ب(الشهيد الأوّل) المقتول.
10- مجمع الفائدة والبرهان شرح ارشاد الاذهان للحلي، لاحمد بن محمد المعروف ب(المقدس الاردبيلي) المتوفى سنة 993هـ/1585م.
11- مسالك الافهام في شرح شرائع الاسلام، لزين الدين بن علي الجباعي الملقب ب(الشهيد الثاني) المقتول سنة965هـ/1586م.
12- كفاية الاحكام، لمحمد باقر السبزواري المتوفى سنة1090هـ/1679م.
13- جامع الرواة ورافع الاشتباهات، لمحمد علي الاردبيلي المتوفى سنة 1101هـ/1690م.
14- وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة، لمحمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة 1104هـ/1693م.
15- الفصول المهمة، لمحمد بن الحسن الحر العاملي.
16- بحار الانوار، لمحمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1110هـ/1699م.
17- تفسير نور الثقلين، لعبد علي بن جمعة الحويزي المتوفى سنة1112هـ/1700م.
18- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ليوسف بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صالح بن عصفور الدرازي البحراني المتوفى سنة 1186 هـ/1772م. هو رجل دين وفقيه ومرجع شيعي بحراني يُعرف بإسم صاحب الحدائق نسبة إلى كتابه المشهور الحدائق الناضرة، ويعد من أهم رموز المدرسة الأخبارية التي تختلف عن المدرسة الأصولية بأنها ترفض الدليل العقلي والإجماع كمصدر من مصادر التشريع عند الشيعة.
19- رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدلائل، للسيد علي بن السيد محمد بن ابي المعالي الطباطبائي المتوفى سنة 1231هـ/1815م.
20- جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام، لمحمد بن الحسن النجفي المعروف بالجواهري المتوفى سنة 1266هـ/1849م.
21- جامع المدارك في شرح الجوهر النافع، لاحمد بن السيد يوسف بن السيد حسن الموسوي الخوانساري المتوفى سنة 1405هـ/1985م.
كما يجب ان لا ننسى طروحات المرجع الشيعي الايراني الاصل (= أبو الحسن الموسوي الأصفهاني) المتوفى سنة 1367هـ/1946م حول عدم مصاهرة الاكراد، فقد نشر رواية اخرى في كتابه (وسيلة النجاة) ص (341) في( باب النكاح):” لا ينبغي للمرأة آن تختار زوجاً سيء الخلق والمخنث والفاسق وشارب الخمر ومن كان من الزنا أو الأكراد أو الخوزي(= أهالي خوزستان – عربستان) أو الخزر(= منطقة القوقاز)”.أي انه شبه الكرد كقوم بالزناة؟، وهذا لعمر الحق منتهى الحقد والتشفي من مرجع شيعي كبير معاصر! .
إن مآلات هذه الروايات ترجع إلى البنية الدينية الاجتماعية والجغرافية للشعب الكردي، حيث يعيش غالبيته في مناطق جبلية وعرة وقصية ويغلب عليه طابع البداوة والخشونة إلى حد ما كغيره من الشعوب الجبلية البعيدة عن حواضر الدول، بجانب حدوث حالات من الاحتكاك بين الفرس والكرد، لا سيما وأن مدينة (قم)الواقعة في وسط الهضبة الإيرانية) بقيت شيعية منذ ظهور الشيعة كمذهب ابتداء من القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي على يد الاسرة الاشعرية اليمنية.
كما أن تمسك الشعوب الجبلية بعقيدة أو فكرة ما يجعل من الصعوبة بمكان تغييرها في المدى المنظور، لذا أصيب دعاة الشيعة بالإحباط واليأس من محاولة تشييع الكرد وتغيير قناعاتهم الفكرية العقدية لزيادة الرقعة الجغرافية لكيانهم القائم على المذهب.
مما تقدم وحسب المنظور الشيعي القائم على تشييع غالبية الجماعات المسلمة من المذاهب المخالفة(=أهل السنة والجماعة بالتحديد)، أصبح الكرد شوكة في خاصرة الدول الشيعية التي تعاقبت على الحكم في العراق مثل: البويهيين الديالمة، والدول التركمانية الشيعية (الاق قوينلو، والقره قوينلو)، وفي إيران مثل: الصفويين، والأفشارين، والزنديين، والقاجاريين التركمان… وغيرهم.
ورغم ذلك حاول دعاة الشيعة بكل ما أوتوا من قوة وجلد تشييع الكرد نظراً لصفاتهم الجبلية المتميزة، وموقع بلادهم كردستان الجيوبولوتيكي الواقع على طرق ومسارات الحضارات (طريق الحرير)، وكون كردستان تقع في مركز الشرق الأدنى.
ولكنهم رغم القسوة والشدة واستعمال حرب الإبادة التي استعملها الشاهات الصفويين أمثال: إسماعيل وحفيده عباس في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين/ السادس عشر والسابع عشرالميلاديين على التوالي، لم يستطيعوا إلاّ تشييع قسم قليل من هذا الشعب بدعم مباشر من بعض الطرق الصوفية الباطنية الممزوجة بالتشيع: كالقلندرية، والحروفية، والبابائية، واليسوية، والبكتاشية التي انتشرت آنذاك في الهضبة الإيرانية وكردستان، وكانت لها بنية راسخة إلى حدٍ ما عند العديد من الشخصيات الدينية من شيوخ التصوف وكبار مريديهم.
وكانت أفكارهذه الجماعات وأدبياتها تحتوي على قدر كبير من الأبجديات والطروحات الشيعية، ويطلق على هؤلاء الكرد الذين تشيعوا بـ : الكاكائية في جنوب كردستان العراق، والفيلية وسط العراق وشرقه، والصارلية والشبك شرقي مدينة الموصل العراقية، والعلي إلاهية (= أهل الحق- يارسان) جنوب غرب كردستان إيران، والعلويين (= القزلباش) في تركيا.
إذن كان الشيعة في حالة عداء مستمر وخفي مع الكرد، والممارسات التي ارتكبتها الدول والكيانات الشيعية التي تعاقبت على حكم العراق والهضبة الإيرانية من (المشعشعين الحاكمين في جنوب العراق( و الذين يؤلهون الإمام علي بن أبي طالب، و)السربداريين الحاكمين في خراسان شرقي إيران(، والصفويين، والزنديين، والقاجاريين، … وغيرهم) لا تعد ولا تحصى، وهذا ما أنعكس في التراث والوجدان الشيعي والكردي على حدٍ سواء.
ومن جانب اخر يقول المؤرخ الشيعي المعروف ابو الحسن علي بن احمد المسعودي المتوفي سنة 346 هـ في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) الجزء الثاني، الصفحة 123 بخصوص اصل الكرد ما يأتي:
” ومن الناس من الحقهم باماء سليمان بن داؤد عليهما السلام حين سلب ملكه ووقع على امائه الشيطان المعروف بالجسد، وعصم الله المؤمنات ان يقع عليهن، فعلق منه المنافقات فلما رد الله على سليمان ملكه ووضعت تلك الاماء الحوامل من الشيطان، قال: أكردوهن الى الجبال والاودية، فربتهم امهاتهم وتناسلوا، فذلك بدء نسب الاكراد”.
مما تقدم يثبت ان هذه الروايات الشيعية المبثوثة في كتب القوم من عهد الكليني في بداية القرن الرابع الهجري/ التاسع الميلادي، الى القرن الرابع عشر الهجري/العشرون الميلادي؛ تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأنها روايات أصلية وغير مدسوسة ونابعة من العقيدة والتراث الشيعي، لانها لو كانت مدسوسة وفق روايات بعض الكتاب الشيعة المعاصرين، لما تطرق الى نشرها في رسائلهم العلمية من مراجع الشيعة المعاصرين كل من: أبو الحسن الاصفهاني المتوفى سنة 1946م، واحمد بن السيد يوسف بن السيد حسن الموسوي الخوانساري المتوفى سنة 1405هـ/1985م.

أحدث المقالات