اهدر الكرد الكثير من الفرص السياسية لتحويل اقليمهم الى دولة مستقلة بسبب الصراع المرير الدائر بين الحزبين الكرديينالحاكمين الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعودبارزاني والاتحاد الوطني برئاسة جلال طالباني وابنه من بعده بافل طالباني ، وترك هذا العداء المزمن بين الحزبين آثارا مدمرة على المنجزات والمكاسب الاستراتيجية التي تحققت خلال السنوات الثلاثين الماضية ومن اهم هذه المنجزات؛ الكيان الكردي الشبه المستقل “اقليم كردستان”الذي تشكل عقب غزو العراق للكويت واصبح واقعا على الارض بضغط من التحالف الدولي بقيادة أمريكا.
يتعرض هذا الكيان الان الى مؤامرة بالتصفية من جانب الأحزاب الشيعية في بغداد التي مارست كل انواع القمع ضده من الحصار والتجويع الى استعمال القوة العسكرية ، مستغلة هيمنتها المطلقة على مفاصل الدولة الرئيسية من البرلمان والمحاكم والحكومة والقوات الأمنية والفصائل الميلشياوية وموارد العراق المالية النفطية الهائلةالتي وجهها ضد شعب إلاقليم ، وعملت كل ما في وسعها لاسقاط الديمقراطي الكردستاني ، ولكن جاءت نتائج الانتخابات التشريعية في العراق(عام 2021) مخيبة لامال الأحزاب الشيعية ، فقد فاز حزب الديمقراطي في الانتخابات المحلية فوزا ساحقا وحصل على اعلى الأصوات الكردية(32 مقعدا) بينما حصل حزب الاتحاد الوطني المنافس على (17) مقعدا فقط!.
وبدأ الخوف يدب في اوصال الاحزاب الشيعية والكردية على حد سواء فبدأت مؤامرات تشتد وتتصاعد واخذ النزاع ينحى منحى مغايرا ، فبعد ان جربوا سلاح الدرونات والصواريخ لتدمير البنية التحتية للإقليم وبث الرعب في العاصمة “أربيل”من اجل تركيعها لاجنداتها ، جاء دور المحاكم المسيسة لتصدر قرارات متتالية جائرة تستهدف الثروة النفطية “المصدر الرئيسي للاقليم كردستان لتمويل رواتب الموظفين والمشاريع التنموية ، ولم يكتفوا بقطع حصة الإقليم من الميزانية وخفضها بما لا يتناسب مع عدد سكانه ، بل ارتفعت من بينها اصوات تطالب بحل الإقليم من خلال اجراء تعديل دستوري تمهيدا لإعادته صاغرا الى سطوة السلطة المركزية الحديدية! وقد بدأوا يتحركون فعلا في هذا الاتجاه ويوعزون الىاذنابهم من الطابور الخامس الكردي ومن البرلمانيين الموالين لهم ، ببث الاشاعات المحبطة بعدم جدوى بقاء الإقليم مستقلا عن بغداد ومن مصلحة الشعب الكردي ان يندمج في العراق و يتخلى عن خصوصياته القومية والدستورية، ومن ثم العودة الى السلطة المركزية كما كان في عهد النظام البعثي البائد!
وهذا ما يحاولون الوصول اليه الان ولكن خطوة خطوة على ضوء الاستراتيجية الكيسنجرية الخبيثة!
بغداد تستغل الصراع الدائر بين الحزبين الكرديين وتسعى الى دق الاسفين بينهما ، كلما اوشك الحزبان على التصالح والتقارب ، تكون بغداد حاضرة لافشال المهمة ، وهي لن تسمح ابدا بحدوث اي تطبيع بين الطرفين! وهي تحاول ان يبقى الإقليم مشغولا بمشاكله الداخلية وينسى ما يدبر له من وراء ظهره! .
رغم كل المحاولات المضنية التي بذلها رئيس إقليم كردستان”نيجيرفان بارزاني” لتنظيم الصفوف داخل البيت الكردي ونبذ الخلافات الجانبية ولكنها لم يكتب لها النجاح لحد الان ، وظل التوتر والانقسام سيد الموقف!
رغم اخلاص وتفاني نيجيرفان بارزاني في دعوته الى ترسيخ السلام والاستقرار وحل القضايا العالقة مع بغداد وفق الدستور ، وظلت بغداد في مسارها المعادي للاقليم ، تتخذ من قوت الشعب الكردي سلاحا لتقويض الكيان الدستوري الذي يديره حزب الديمقراطي الكردستاني وفق توجهاته القومية الصارمة التي لا تهادن ولا تساوم على حساب الحقوق الدستورية للشعب الكردي ، لهذا تحول هذا الحزب الى عدو رقم اول لمعظم الفصائل والميليشيات التي تهيمن على مؤسسات الدولة العراقية وهي تواصل الليل بالنهار لازاحته عن سلطة الاقليم باي ثمن سواء عن طريق القوة او عن طريق الانتخابات التشريعية المزمع اجراءها في العشرين من اكتوبرالقادم .. وانا على يقين ان بغداد ومعها شلة من المطبلين لها من الطابور الخامس الكردي سيمنون بخسارة مدوية وسيخسرون رهانهم وسيحصل حزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) على اعلى نسبة من الاصوات! حسب توقعات بعض المراقبين ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية.