قادة الأمة في مسيرتها الحضارية كانوا من العلماء بمقاييس عصورهم , ومن المتمرسين باللغة العربية , وخطبهم ذات قيمة معرفية , وحتى أشدهم بطشا يتميز بحسن درايته باللغة العربية.
فكان الحجاج , رغم ما يُقال عنه , من الخطباء المفوهين , والعارفين بالقرآن والدين , ودافع عن الدولة بأقصى ما إستطاعه من الجبروت والقسوة , وشارك في فتوحات كبيرة , وأطلق تنقيط الحروف العربية.
وفي الدولة العباسية برز أبو جعفر المنصور , والمأمون اللذان تميزا بإهتمامهما بالعلم , فأبو جعفر المنصور رغم إنشغاله بتوطيد أركان الدولة الفتية , بما فعله من قسوة وشدة وحزم , لم يغفل موضوع العلم والعلماء , فابتدأ التدوين والترجمة , ووضع الأسس القويمة لإنطلاقة علمية رائدة.
ولم ينجح في تأريخ الأمة غير القادة العلماء العارفين باللغة والموروث الحضاري والإنساني , والذين بلا أهلية عقلية وفكرية , أصابوها بالويلات والتداعيات.
ولا يزال هذا القانون ساريا في عصرنا , فالقادة العلماء فيها بنوا أوطانهم , وشيدوا العمران والإنسان , فكانت بلدانهم بهم زاهية .
وفي بعض بلدان الأمة الأكثر ثراءً وقدرة , تولى أمرها الناضبون من المعارف والعلوم , والذين لا يجيدون النطق بلسان عربي قويم , فأوصلوها إلى قيعان الوجيع والهوان , فتناهبتها وحوش القوى المتحفزة للإفتراس.
ولا تزال الأمة تعاني من أولياء أمورها الفارغين , الذين لا يستحون من الكلام بلسان أخطل , وكأن العربية ليست لغتهم , وبهذا يفصحون عن خوائهم الفكري والعلمي والثقافي , وبسبب قصر بصرهم وضعف نظرهم , تعاني شعوبهم وتئن بلدانهم , وهم في ميادين جهلهم يعمهون , ومن حولهم أبواق الإستجداء المتسوِّلة , الني توهمهم بأنهم من العارفين.
وتلك محنة أمة بمَن لا يفقهون , وفي غفلتهم يعمهون!!