الثورات العربية تأكلها الكراسي وتجهضها المآسي وهي لا تزال في مهدها , فالقِوى الثائرة ما أن تثور وتُسقط نظام الحكم , حتى تتوهم الإنجاز والإنتصار فتستيقظ فيها نزعات ورغبات أنانية إستحواذية , لا تعنيها المصلحة الوطنية والمنفعة العامة المشتركة , وإنما أن تحقق المكاسب والتي معناها السلطة , أي أنها تريد الإحلال مكان السلطة التي تغيرت , وتعبئة السجون التي أفرغت.
ومعظم الثورات العربية إن لم نقل جميعها قد تم سرقتها من قبل قوى لا تعرفها وما شاركت فيها , والمشكلة المرعبة التي تعانيها القِوى الثائرة , أنها تنتكس عند أول إستجابة من السلطة أو نظام الحكم , وتبدأ بالبحث عما ستجنيه , وهذا السلوك يضعها في محنة التصارع والإستنزاف الداخلي , مما يعني أنها لا يمكنها تحقيق غاياتها وأهدافها , والأوطان ستتمزق بسببها وتتدمر , فلا بد للقوة العسكرية أن تتقدم وتحسم الموقف.
فالأنظمة العسكرية ليست مفروضة وإنما هي آخر الدواء , لأن الشعب بقواه المتنوعة لا يمتلك الأهلية السياسية والحكمة , والقدرة على التفكير الوطني المجرد من المكاسب التحزبية والفئوية , وكلٌّ يدّعي بأنه الذي قام بالثورة , ويتهم غيره بأنه الدخيل أو الذي يريد سرقتها من الآخر , وهي ذات الحالة التي تتحقق في الإنتخابات حيث تنطلق القِوى في مسيرات التناحر والإقتتال.
ويبدو أن الوضع القائم في السودان وربما الجزائر سينتهي إلى أن يتولى الأمر فيهما الجيش , لأن القوى التي ثارت كأنها دخلت في دائرة التصارعات على المكاسب المزعومة والمطلوبة أو المدّعاة , وهذا ربما سيتسبب بتداعيات خطيرة كما حصل في الدول العربية التي فجعتها الديمقراطية.
وعليه فأن على القوى الفاعلة في الحراك الجماهيري في البلدين , أن تستفيق وترى بعيون الواقعية والمصلحة الوطنية , وتتجرد عن الأنانية والذاتية وتتمنطق بالإرادة الوطنية والجماهيرية , اللازمة للأخذ بالبلاد والعياد إلى موانئ الرقي والأمان.
أما أن تكون الحالة ضبابية والتظاهرات مليونية ومتكررة , فذلك سيوفر الظروف المواتية لإنهيارات وتفاعلات ذات عواقب وخيمة , وربما ستؤجج الحروب الأهلية التي ما أن تنطلق حتى يصعب إيقافها , لأن القِوى المستثمرة فيها ستتقدم بسرعة وتمدها بوقود البلاء المبين.
فهل ستتبصر القِوى التي ثارت بأن عليها أن تستعيد النظر بعيون الوطن , وليس بعيون المكاسب وكأن الثورات تسعى لجمع الغنائم؟!!