ظاهرة سلوكية بشرية ماضية في المجتمعات منذ الأزل , ولا تزال فاعلة ومؤثرة ولها تداعياتها المريرة , إنها ظاهرة عدم إتعاظ الكراسي بالكراسي.
فالبشر الجالس على الكرسي الذي يرمز للقوة والسلطة لا ينظر إلى مَن كان قبله فيه , ولا يستطيع أن يتبصر في غده , وإنما يغطس في الكرسي ويغرق تماما فلا يسمع ولا يرى , ويتوهم ما يتوهمه من الحالات , كالذي يعيش في كهف مظلم ويرى ظلالا منعكسة أثناء النهار على جدرانه , فيفهمها كما تمليه عليه آلات عزلته وإنقطاعه وعمائه الشديد.
وهناك مجتمعات تحولت فيها الكراسي إلى دواليب مآسي , وما تعلم الجالسون عليها من بعضهم , ولا تفكروا بالمآلات وبمصيرهم المحتوم , الذي لا يختلف عن سابقيهم إن لم يكن أسوأ وأمرّ.
فالجالس على الكرسي يحوّله إلى تابوت يقضي نحبه فيه!!
فلماذا هذا السلوك الإنتحاري الفتاك؟!
هل أن الكرسي يُخرج البشر من بشريته ويوهمه بأنه من صنف الآلهة؟
هل أن الكرسي يُغري النوازع المطمورة في الأعماق , ويرضي الرغبات المكبوتة والمكلوبة؟
هل أن الكرسي يُصيب الجالس عليه بالغباء؟
هل أن الكرسي يُخدّر صاحبه أو يُسكره , فيمضي في حالة غثيان دائبة؟
هل أن الجالس على الكرسي يعيش في غيبوبة؟
وهل أن الكرسي يُميت الضمير ويبلد الإحساس؟
ربما هذه وغيرها الكثير من المحفزات والمسوغات لسلوك أصحاب الكراسي من الذين لا يتعظون ولا يتفقهون بالكرسي , الذي يتصوّرونه كما يشتهون , ويجهلون ظنون الكراسي , وكيف أنها تسأم من الذين لا يرحمون.
فالكرسي فاعل بالبشر كما يريد , وهو من الخشب المُستحضر من شجر مقتول , وكأن الأشجار تنتقم من قاتلها بآلة الكرسي!!
فالكرسي ربما يتحول إلى عقيدة ومذهب وكتاب وإله ودين , فلا يمكن التحرر من مغرياته ولذائذه ومتعه الكثيرة التي تعمي الأبصار.
فهل لنا أن نستفيق من هذيان الكراسي ونرى الإنسان والوطن؟!!