شحص عراقي وحيد قال الحق المرّ منذ ستينيات القرن العشرين , وبقي مؤمنا بما يقول حتى قضيّ عليه ,”أن الحكم بحاجة لقادة مؤهلين , والأحزاب العراقية غير مؤهلة للحكم , مهما إدّعت وتوهمت”.
فلا توجد أهلية عراقية للحكم!!
فالدولة العراقية أسسها رجال لديهم خبرة في الحكم وتجارب ومهارات قيادية وسياسية وفكرية ودبلوماسية , ومعظمهم قد تعرّك في مسارح التفاعلات السياسية الدولية حتى وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها.
رجال أسسوا دولة وكتبوا دستورها , وما إتفق العراقيون على قائد منهم , فكان لابد من إستحضار أمير ليكون ملكا عليهم.
ومع ذلك فأن الحكم كان مبنيا على أسس ذات قيمة وطنية , ويمتلك آليات الحكم المنضبط المستند على القوانين والمعايير والدستور.
وتواصل الأمر حتى يوم الرابع عشر من تموز عام ألف وتسعمئة وثمان وخمسين , هذا التأريخ الذي قطع حبل التواصل ما بين الأجيال , وأوجد أشخاصا لا خبرة عندهم بالحكم والسياسة والقيادة , ليكونوا هم أصحاب السلطة والقرار , وهم القانون والدستور.
فمرت البلاد بما أوجعها وتوالد فيها من النواكب والويلات لغياب الأهلية السياسية والقيادية , وبتوالي الإنقلابات تحققت المرارات , وما أنتجت المسيرات الإنقلابية أي صراط سياسي مستقيم تمضي عليه الأجيال.
حتى تم تتويحها في عام ألفين وثلاثة , بإنقلاب جديد وبقيادة جيوش جرارة وقوى عالمية , لتمحق وجود الدولة بكافة أركانها وأسسها ومؤسساتها وأمنها وجيشها , وما يمت بصلة إليها , وهو أقظع إنقلاب في تأريخ الدول والشعوب.
إذ تم محق دولة عن بكرة أبيها , وجيئ بمن لا ناقة لهم ولا جمل بالقيادة والحكم , ولا يملكون أبسط المؤهلات ليتصدروا المشهد , ويجتهدوا بالمصائب والويلات المروعة.
وبسبب إنعدام الأهلية , وصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن , وستتواصل في تداعيات النوازل العظام , ما دام الجميع تنقصه الأهلية , ويتصرف وفقا لإنفعالاته وما تمليه عليه تصوراته ورؤاه أيا كان نوعها.
فلا سياسة في بلادنا منذ عام 1958 وحتى اليوم , وماذا نتوقع من بلد يحكمه – في كل فترة إنقلابية- مَن هم بلا أهلية قيادية ولا حنكة سياسية , ولا غيرة وطنية وإنسانية وأمانة وعدل وإنصاف ومخافة من الإجرام. فهل ستعترف الكراسي بعدم أهليتها وتتعلم , أم ستمضي في مشاوير الويلات والفساد والخسران؟!!