5 نوفمبر، 2024 5:02 م
Search
Close this search box.

الكرادة

لم تسم الكرادة باسمها عبثًا فمعناها «الجرف أو الساحل»، بحسب القاموس العثماني الذي مزج المئات من الكلمات التركية مع اللهجة العراقية.
الكرادة منطقة بغدادية عراقية يحدها نهر دجلة من الجانب الشرقي، ونهر الدم من جميع جوانبها الأخرى !
لم أتحدث عن طبيعة انفجار الكرادة النوعي، وكيفية الاختراق الأمني، والوحشية المبتكرة لتنظيم داعش الإرهابي، وعن التوقيتات المحسوبة بدقة مخيفة ومراعى الترويع فيه، والاستمرارية المدمرة للعمق التجاري البغدادي، منذ عام 2003 تتعرض منطقة الكرادة الحيوية لهجمات إرهابية مختلفة، وعمليات قتل وسلب وغسيل أموال على يد الإرهاب وتجار السياسة والحروب في آن واحد، في حين تزدحم المدينة بنقاط التفتيش الحكومية، وأجهزة كشف المتفجرات، والانتشار الأمني المفاجئ بين الحين والآخر؛ كونها محاذية للمنطقة الخضراء، وتضم كبريات البنوك والمصارف والقنوات التلفزيونية الفضائية، إضافة إلى مقرات عدد كبير من الأحزاب السياسية.
مساء ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، كانت منطقة الكرادة كعادتها على موعد مع الإرهاب الذي يتضرر منه الأبرياء، وينتفع منه سياسيو الصدفة ذوو المكر والدهاء.
تنوع الموت هذه المرة في منطقة الكرادة، أكثر من 125 مغدورًا من الضحايا أزهقت أرواحهم خنقًا، فيما قضى آخرون حرقًا حتى تفحمت أجسادهم داخل محلاتهم وسياراتهم، ناهيك عن الذين تناثرت أشلاؤهم مع أحلامهم وثياب العيد ودموع الفراق.
ومئات الجرحى يرقدون الآن في مستشفيات العاصمة العراقية بغداد، التي تفتقر إلى أبسط أنواع الرعاية الصحية والاهتمام.
فيما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور وأسماء الأشخاص المفقودين الذين لا يُعرف مصيرهم بعد، إضافةً إلى الخسائر المادية الهائلة كون الكرادة تعتبر المنطقة التجارية الأولى في بغداد.
جميع الأعمال الإرهابية في العواصم العالمية خلال النصف الأول من عام 2016 لم تكن بقسوة تفجير الكرادة، لكن الفرق بين تلك العواصم، وبين بغداد أنهم وضعوا حدًّا فوريًّا لضمان عدم تكرار تلك الأعمال الإرهابية، فيما سمحت بغداد بتكرار العمليات الإرهابية يوميًّا عشرات المرات، دون أي رادع يسهم في إيقاف أو تخفيف العمليات
الإرهابية. هذا هو الفرق بين العمليات الإرهابية في العالم، والعمليات الإرهابية في العراق.
سيبقى العالم صامتًا تجاه العراق، ولن يتفاعل مع أي حدث إرهابي بسبب ظلم العراقيين لأنفسهم، وكلما زاد الظلم عظم البلاء، وأعظم بلاء هو الإرهاب.
بل حتى مواقع التواصل الاجتماعي لم تكترث لأي عمل إرهابي يحدث في العراق، والدليل عندما وقع اعتداء مطار أتاتورك في إسطنبول قبل أيام فعل فيسبوك خاصية Safety check in ليتيح لذوي القريبين من موقع الحدث الاطمئنان عليهم، لماذا لم يفعلها في العراق؟! في حين يشاهد العالم أجمع افتراضه وحقيقته العراقيين وهم يبحثون في الركام عن المزيد من الضحايا المفقودين.
العراقيون بشر كما الفرنسيون والأمريكان والأتراك !

أحدث المقالات

أحدث المقالات