الكرادة عروس من بغداد الجميلة ، لها طابع يختلف عن بقية مدن وأزقة بغداد القديمة ،لها طريقة بالتعامل مع كل قادم لها ، أن كان مقيم لفترة معينة أو حتى كونه عابر سبيل ، هي حاضن لجميع ألوان الطيف العراقي ، فيها المسيحي والكردي والشيعي والسني ، وفي مضى كان فيها حتى اليهودي ، مدينة تنام وتصحوا على نسمات نهر دجلة العزيز ، هي مركز للمثقفين والمفكرين في شتى المجالات ، أذن هي تستحق أن تكون مركز المدينة وعروس المدن ، من خلالها يكتمل جسد بغداد الحبيبة.
تلك المدينة التي يشعر أهلها ، والمارين عبر شوارعها ، بسكينة وبحبوحة من الأمن والهدوء النسبي ، على الرغم من تعرضها لبعض الهجمات من أصحاب العقول المريضة الإرهاب المتطرف .
التفجير الأخير هو بمثابة كارثة ، أنزعت بالإكراه الكرادة ثوبها الزاهي الذي تحدثنا عنه ، وألبسته ثوب السواد والحداد والحزن الذي خيم على الشوارع والأسواق التجارية والبيوت والعقول والقلوب وغطى العراق بأسره ، من جراء الزهور التي سقطت غدرا من الإرهاب ، وإهمالا من القابعين على هرم السلطة في العراق اليوم .
فبعدما كانت الابتسامة والأمل لا تغادرهم وأصبحت عنوان أهل الكرادة ، نزلت الدموع وتفطرت القلوب وتشوشن العقول في تلك الأزقة القديمة ، صرخ الشارع العام في الكرادة ، الذي يطلق عليه العراقيين أكثر من تسمية ومنها ( كرادة داخل ) أو (كرادة على الجوة ) ، امتزجت دماء العراقيين الزكية من كل المحافظات ، في هذا التفجير الدامي ، الذي هز القلوب والبيوت ، ولم يهز أصحاب السلطة والنفوذ.
جميع العراقيين في كل بقاع العالم ، نزلت دموعهم في هذا اليوم المؤلم ، ولو كنت استطيع جمعها ، ( لغسلت أجساد الشهداء الذين سقطوا منها ) و ( ولغسلت الشوارع والمباني ) ، دموع أهل العراق لؤلؤ مكنون ، قد أخرجه الإرهاب الأعمى ، الذي ضرب وادي الرافدين .
اليوم في هذا المساء قصدت موقع التفجير ، أرى عدد هائل من الشموع في الكرادة ، ويكثر في موقع التفجير ، وكانت دموعنا تسقط على ضوء تلك الشموع ، على
الأرواح التي سقطت وأصبحت رمز للعراقيين ، في كرادة الخير ، كرادة الحب ، كرادة الثقافة ، كرادة الصمود .
أذن امتزجت الدموع بالشموع ، كما امتزجت الصلوات على أرواح الشهداء في الجوامع والكنائس ، وأصبح اليوم .
( الكرادة بين الدموع والشموع )