يبدو أن مجريات الأحداث التي نشاهدها في عالمنا اليوم قد أوصلت البعض إلى مفهوم الكذب بطريقة مبتكرة يحاول من خلالها إقناع الآخرين بأنه صاحب مشروع سياسي ناجح، أو من خلال طرق الاحتيال التي أصبح الكثيرون يتسلقون بها للصعود إلى أهدافهم وغاياتهم المنشودة. ولكن واقع الحال يتحدث بعكس ذلك، فقد أصبح الشارع العراقي يمتلك نظرة ثاقبة لمفهوم أي مشروع سياسي يُطرح من قبل الكتل والأحزاب السياسية. لكن الامتناع وعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع يعطي فرصة كبيرة للأشخاص الفاشلين لتمرير مخططاتهم الدنيئة من خلال الكذب والاحتيال وشراء الذمم بمبالغ زهيدة بسيطة تدفعها كتلهم التي يديرها حيتان الفساد بصورة علنية. فتجد أن الفوز يحالفهم، وتجد في حين أنهم أنفسهم كانوا يتحدثون عن هزيمة كبيرة سوف تواجههم في الانتخابات القادمة.
فإلى متى سيبقى الشارع العراقي يعيش بين حالة الاكتئاب والسكوت وبين حالة الغليان التي يعيشها عند سماعه أخبار الطبقات السياسية المترفة، الذين أصبحوا لا يعرفون أي مفهوم عن خدمة المواطن أو بناء مجتمع صحيح، لأن أعرافهم الحقيقية وحديثهم فيما بينهم مجرد الكلام عن النهب والسلب والفساد الذي وصلت رائحته الكريهة إلى أعلى وأبعد المستويات.
وبين هذا وذاك، ما زال المواطن البسيط يعيش في ظروف اقتصادية صعبة، والدليل على ذلك أن عدد العاطلين عن العمل والذين يتقاضون راتب الرعاية الاجتماعية أصبح بالملايين، وكأننا أصبحنا شعبًا عاجزًا يعيش في دار للعجزة بعيدًا عن مفردات الحياة الأخرى وبعيدًا عن النشاط الحيوي اليومي الذي كان يعيشه أسلافنا قبل ثلاثين أو اربعين سنة من الآن، حيث كانت المعامل تزهو بجودة صناعتها وكانت حقولنا الزراعية خضراء دائمة وتجد الفلاح متواجدًا في أرضه الزراعية وهو يبذل أقصى جهده في سبيل تحسين الإنتاج وتقديم أفضل ما يستطيع تقديمه للأسواق العراقية.
إن كل ما نقوم بكتابته هو مجرد مواضيع نأسف فيها على ما وصلنا إليه من السياسات المسماة باسم الديمقراطية، والتي أصبحت مجرد حطام في بلد يمتلك حضارة منذ آلاف السنين ولا تجد فيه أي من الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن البسيط. فأين نحن ذاهبون في موضوع الطاقة الكهربائية؟
وأين نحن ذاهبون في موضوع الصناعة الوطنية؟
وأين نحن ذاهبون في موضوع الزراعة وغيرها من الأركان المهمة لبناء كل دولة ولترفيه وتوفير حياة سعيدة لكل أبناء الشعب؟
إن أي مشروع انتخابي تطرحه اليوم الكتل السياسية بكل مسمياتها وكل عناوينها تجده فارغًا من محتواه لأنه لا يحمل نظرة مستقبلية لبناء دولة صحيحة، وإنما تجد أن مضمون كل ما هو مكتوب في مناهج الكتل والأحزاب هو مجرد طعن الآخر بالآخر والتجرد من منهج الشخص المناسب للمكان المناسب. وهنا سوف نواجه كارثة كبيرة، خاصة وأننا نعيش في عصر التكنولوجيا الحديثة وعصر الرفاهية الموجودة لدى حتى الشعوب الفقيرة في المنطقة. فما زال الدينار العراقي يراوح بعيدًا عن الدولار الأمريكي ولا يوجد في الأفق شيء اقتصادي أو منهج مبرمج لوزارة التخطيط يطمئن المواطنين بعودة العافية للعملة الوطنية.
كل هذا وتجد قسمًا من المحسوبين على الطبقة السياسية يتبجحون وبكل صلافة بأنهم استطاعوا تحقيق الأفضل لهذا المواطن البسيط من خلال بث سمومهم الطائفية، والتي استطاعوا من خلالها البقاء لفترة أطول في الحكومة وما زالوا مستمرين على نفس النهج لأنهم لا يستطيعون التغيير في المضمون. وكل ما يستطيعون القيام به هو عناوين رنانة لا وجود لها في أرض الواقع. فلقد أصبح الاحتيال والكذب جزءًا من مناهجهم وجزءًا من حملاتهم الانتخابية،
والله المستعان على ما تصفون.