22 نوفمبر، 2024 10:18 م
Search
Close this search box.

الكتلة العابرة للمكونات..حل أم خدعة

الكتلة العابرة للمكونات..حل أم خدعة

لم تستطع وثيقة الشرف التي وقعها رموز البلد وقادته أن تنقذ الأحزاب الحاكمة من ورطتها أمام الجماهير …كما لم تستطع تظاهرات الصدر ومريديه تقديم الحلول …وعادت القهقرى المناكفات البرلمانية والانقلاب على رئاسته وحكومة الظرف المغلق بعد قرار المحكمة الاتحادية ببطلانها كلها..خطوة الى الوراء كانت كفيلة بتأجيل الصراعات وتبريد المظاهرات رغم الحر اللاهب والغضب المتزايد بسبب التفجيرات الإجرامية.. ومما لاشك فيه أن الانتصارات التي حققتها قواتنا في الفلوجة وعلى أطراف الموصل كان لها أثر كبير في افساح المجال للقوى السياسية الحاكمة التقاط أنفاسها بعد أن حبستها الأحداث السابقة..لم تكن الدعوة الى تشكل جيل سياسي وطني جديد عابر للقومية والطائفية من ابداعات الأحزاب التي تغولت في السلطة بل هي في حقيقتها دعوة مرجعية اعلنتها بصراحة في خطبة الجمعة ثم ناصرها سياسيون مستقلون معروفون بمواقفهم الوطنية ..ومما لاشك فيه أيضا أن المرجعية إنما طالبت بذلك فانها رأت أن هذه الأحزاب الحاكمة لامجال لإصلاحها اذا لم ينشأ جيل مواز لها يجبرها على التخلي عن طريقتها في ادارة الدولة..كنت موجودا في نقاشات كثيرة حول هذه الدعوة لتشكل جيل سياسي وطني عابر للقومية والطائفية مع شخصيات حزبية لاتؤمن بذلك أبدا فهذا يعني تهديدا لكياناتها التي بنيت على أساس طائفي وقومي وإثني فكانت تسخف الفكرة تارة أو تجعلها من المستحيلات تارة أخرى ..ولكن فكرة التغيير وانتفاء الحاجة لمثل هذه الأحزاب ذات البناءات الطائفية والقومية أخذت تتنامى بين أوساط الشباب والمثقفين والأخطر من ذلك أنها بدأت تجد لها صدى بين من ينتمون لهذه الأحزاب مما يعني أن هذه الكتل ستواجه التدمير من داخلها..لذلك انبرى بعض هذه الحركات السياسية الى تبني الفكرة ولكن بصيغة أخرى تتلاءم ومصالحها وأهدافها..لابد لي من القول أن مقالتي ليست موجهة ضد أحد فلست عدوا إلا للأفكار الهدامة أو الأفكار التي تحاول استغفالنا واستغفال الجماهير ..

نعم سيزعل علينا أصدقاؤنا في المجلس الأعلى بسبب أن من ينادي بكتلة عابرة للمكونات هو السيد عمار الحكيم وفي مناسبات عدة آخرها البارحة..وقد يسألني سائل ومالفرق بين الدعوتين ..الدعوة الى جيل سياسي وطني عابر للقومية والطائفية وهي دعوة ساندناها قبل اطلاق السيد الحكيم لدعوته ..والدعوة الى كتلة عابرة للمكونات..وسأشرح لكم الفرق .. كلنا يعرف أن جزءا من الاصلاحات كان اختيار وزراء تكنوقراط مستقلين بعيدا عن الأحزاب… وهو ماأرادته الجماهير العريضة ومن خلفها المرجعية الدينية ويساندهم المثقفون والمستقلون والمدنيون ولكن رفضته الأحزاب الدينية والعلمانية والقومية المشاركة في السلطة لأسباب يعرفها الناس جميعا أولها المحاصصة التي تضمن للأحزاب حصصها من المناصب ومن ثم ماتجلبه هذه المناصب من جاه ومال وسلطة لأحزابها فكانت معركة بين المجتمع والأحزاب انتهت بجولتها الأولى بانتصار الأحزاب ..

بيد أن هذه الأحزاب تعلم جيدا أن المعركة لم تنته بعد وأن جولاتها القادمة أشد وطأة وإوارا ..وإذا حمي الوطيس فلات حين مندم..هنا فكر أهل الشأن بخطة جديدة منمقة عنوانها الكتلة العابرة للمكونات..وأنها هي الحل الذي يمكن به عبور المرحلة..ماذا تعني الكتلة العابرة للمكونات..هل هي كتلة تتكون في البرلمان من أحزاب مختلفة المكونات..حزب يمثل المكون ش ..وآخر يمثل المكون ك  ..وآخر يمثل المكون س ..أم هي من المكون الديني واللاديني ..أم هي جبهة الاصلاح مضافا اليها تكتلات أخرى ..فاذا كانت كل ذلك أو بعضه فهل سيقضي ذلك على أس المشكلة وهي المحاصصة وتوزيع المناصب عليها ..ونحن نعلم جيدا أن التحالف الوطني الذي هو من مكون واحد لم يستطع أن يتخلى عن المحاصصة حتى في كتلته التي أسماها التحالف الوطني.. فكيف يعقل أن هذه الأحزاب التي ستكون كتلة عابرة لمكوناتها ستتخلى عن المطالبة فيما بينها وهي كتلة واحدة  بمناصب كل مكون منها..الفرق شاسع بين أحزاب وطنية عابرة للقومية والطائفية… وبين كتلة برلمانية تتكون من أحزاب طائفية وقومية ونسميها كتلة عابرة للمكونات..وهنا أنقل لكم تعليق أحد الأصدقاء حول امكانية تشكل الأحزاب الوطنية العابرة للطائفية ..قال..((ولكنها تبقى أحزابا صغيرة وغير مؤثرة … لأن الوعي الاجتماعي الطاغي مايزال وعيا طائفيا وإثنيا )) وهو محق فيما يقول ولكننا لانقبل أن يكون البديل أفكارا مموهة وكأنه نفق أو دهليز جديد ليضيف مأساة أخرى الى مآسينا فنحن نميل الى الحق الضعيف لندافع عنه حتى يقوى ويتسنم الموقف ونعادي الباطل وان كان قويا ونحاربه حتى يضعف وينهزم..
اعذروني اصدقائي في المجلس الأعلى هذه دعوات لايمكن أن تنطلي علينا فقد ناصرنا كثيرا النظام السياسي بعد 2003 أملا في أن تؤسسوا دولة العراق الجديد..وأملا في أن تبنوا دولة كريمة دولة فيها يعيش المواطن عزيزا ويموت عزيزا ..دولة متقدمة يقودها الأكفاء المخلصون الوطنيون ..وليس دولة متخلفة يقودها من لاهم له سوى بناء قصوره وملء خزائنه من الذهب والفضة وزيادة رتله وعدد سياراته..كنا نأمل منكم أن تؤسسوا دولة تعز الفقراء وتذل المنافقين لا العكس تماما..وهذه الدولة لاتبنى بأفكار شكلية أو مصالح حزبية أو شخصية..وإنما تبنى حينما تتخلى هذه الأحزاب عن هيكلياتها التوريثية والانطلاق بها الى عالم الوطن وليس عالم العائلة أو المكون أو القومية أو المذهب..وحينها نستطيع أن نبني دولة مؤسسات مدنية لادخل للدين والقومية والمذهب والعائلة في إدارتها..مؤسسات تلفظ المسيء والفاسد والكسول والأحمق الذين يدعمهم أحزابكم اليوم وتستقطب المحسن والكفوء والمخلص والذكي والنشيط الذين عانوا من تسلطكم وعرقلتكم لهم..الدولة تبنى حينما تختفي هذه الأحزاب بمسمياتها الأصلية والتمويهية وتختفي ممارستها التي شوهت الدين قبل الدولة..فلقد أخذتم من الوقت مايكفي ولم تقدموا لشعبكم إلا عراقا متهالكا ملهوجا يئن تحت وطأة الفساد وكأنه كبش فداء لكم لتنعموا بالسلطة والجاه طوال حياتكم..أما آن أن تستريحوا فقد فشلتم في مهمتكم وأنتم أول من اعترف بذلك..

أحدث المقالات