23 ديسمبر، 2024 6:42 ص

الكتاب والقرآن …. قراءة معاصرة/6

الكتاب والقرآن …. قراءة معاصرة/6

تأليف: الأستاذ الدكتور محمد شحرور

عرض: الدكتور عبد الجبار العبيدي – بتصرف
نظرية جدل الكون والأنسان
———————————————-

الجدل لغةً:

شدة الفتل ، وجمعه اجدال ، واصطلاحاً رد الخصم ومجادلته وطلب المغالبة به لأظهار الحق

بين المتجادلين.وفي القرآن الكريم : وجادلهم بالتي هي أحسن،النحل 125.

لقد تكلم العلماء منذ القدم بالجدل والمجادلة منذ عهد الاغريق والروما ن والعرب القدامى ووضعت له نظريات كثيرة أمتد أثرها الى العصر الحديث، فبينوا أهدافه ومقاصده ، ورسموا أدابه واخلاقه . رغم كونهم لم يعرفوا فكرة الجدل بالمفهوم الحديث ،بل عرفوا فكرة الحركة ،اي ان الزمان والأشياء في تغير وتحول دائمين، وكانت لهم في ذلك مذاهب شتى.

والجدل تعريفاًً :

:هو مقابلة الحجة بالحجة ، وكشف الشبه لدى الخصم وهذا واضح من قوله تعالى 🙁 أدعٌ الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ،النحل 125). وهذا الكشف للشبه وبيان الادلة على طرحها والأحتجاج بالأدلة المقنعة للخصم هي مادة الجدل.

وقيل ان اصل الجدل في اللسان العربي من(جدل) وهو من باب استحكام الشيء قي استرسال يكون فيه ، وأمتداد الخصومة ومراجعة الكلام كما جاء عند أبن فارس في مقاييس اللغة.

والجدل يقوم على الثنائية،والثنائية أنواع منها:

———————————————

الثنائية التلازمية

———————

اي صراع العنصرين المتناقضين داخلياً ، الموجودين في كل شيء يؤدي الى تغير شكل الشيء بأستمرار، وظهور شكل أخر. .وفي هذا الصراع يكمن السر في التطور والتغير المستمرين في هذا الكون مادام قائماً. وهو ما يسمى بمصطلح النفي ونفي النفي،وقد أطلقَ عليه القرآن الكريم مصطلح التسبيح :(…. وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم….،الاسراء44). وكلمة التسبيح جاءت من( سبحَ) وهي الحركة المستمرة كالعوم في الماء كما في قوله تعالى( كلُ في فلكٍ يسبحون ،(الأنبياء33). هذا الصراع هو الذي يؤدي الى التغير في الأشياء،والذي ينتج عنه مقولة 🙁 الموت حق) والله حي باقٍ . ومن هذا السياق اللغوي نفهم معنى الاية الكريمة : ( ولا تدعُ مع الله ألهاً آخر لا أله الاهو كل شيء هالك الا وجههُ له الحكمُ واليه ترجعون،القصص88،). وسيبقى هذا الصراع قائما الى يوم الساعة ليعود الكون مرة اخرى الى البعث.وفي ضوء ذلك تتضح مقولة (البعث حق).

الاغريق اعتقدوا ان الوجود موت يتلاشى ،والشر خير يزول. فالخير والشر والكون والفساد أمور تتلازم وتنسجم مع النظام العام ، وهذا هو مفهوم نظرية الجدل القرآني ،يقول الحق :” أنا خلقنا الموت والحياة لنبلونكم أيكم أحسن عملا،سورة الملك “. .هذه هي نظرية الجدل التي لم يعرفها فقهاء التفسير، فجالوا وصالوا في اللا معقول. لذا فنحن نطالب بألغاء التفسير الترادفي في القرآن لأحلال نظرية التأويل.

2

لقد عبر القرآن عن قانون صراع المتناقضات الداخلي في الشيء نفسه بصيغة (مُخلق وغير مُخلق، الحج 5) و(صَنوان وغير صنوان،الرعد4) (ومتشابه وغير متشابه) و(معرَشات وغير معرَشات) كما في سورة الانعام 141. لقد جاءت هذه الآيات لتثبت للناس البعث والحياة ، وتنزع الشكوك بشأن بلوغه الحتمي فبدأ بقوله تعالى: (يا أيها الناس ان كنتم في ريب من البعث….،وهنا تجلى في الاية قانون التطور وتغير شكل الاشياء بأستمرار بأتجاه واحد،وهذا هو القانون الاساسي للحركة الجدلية للحياة العضوية للانسان والكائنات الحية .ومن هنا أستمد دارون نظريته في النشوء والارتقاءوجعله بأسمه قانون التطوروالفقهاء الى اليوم يجهلون القانون ومقارنته بالآية الكريمة ،فكانت معارضتهم لدارون لمجرد المعارضة دون دليل..

الثنائية التقابلية :

——————

وهي جدل تلاؤم الزوجين في الخلق، ومصطلح الزوج جاء في آيات عديدة ،منها ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ،النجم 45). فالزوج هو زوج المرأة،والمرأة زوج بعلها،والزوج في اللسان العربي أصل يدل على مقارنة شيء لشيءآخر وأرتباطه به بعلاقة ما.،ولا يقال للمرأة زوج الا في حالة الزواج من رجل.لذا تسمى المرأة ارملة في حالة وفاة زوجها،ومطلقة في حالة الانفصال عن الزوج.

لقد أستعمل القرآن مصطلح زوج بصيغة يزوجهم للدلالة على أشتراك الجنسين معاً في الهبة الذكر والانثى ، وهما في هذه الحالة أخ وأخت ولكنهما في الطبيعة ً من حيث الذكورة والانوثة زوجان كما جاء في سورة الشورى: ( لله ملك السموات والارض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء أناثاً ويهب لمن يشاء الذكور،)او كما قال تعالى 🙁 أو يزوجهم ذكراناً واناثاً ويجعل من يشاء عقيما انه عليم قدير،50،49) . ثم جاء المعنى الثاني للزوج بالمفهوم الاجتماعي حين أقر عقد النكاح بين الاثنين،من هنا ظهر قانون نكاح المحرمات والزنا لكون هذه المفاهيم اجتماعية انسانية (أخلاق) وليست مفاهيم طبيعية وجودية كما في سورتي النساء23،22 ).

فقانون الزوجية هو القانون الثاني الاساسي التي تخضع له جميع الاشياء في الكون المادي. ومصطلح الازواج في القرآن عبر عن كل الموجودات في الكون فهي علاقة خارجية بالنسبة للشيء (الزوج) وللشيءالمقابل له (الزوج الاخر).،لذا لايمكن ان تكون العلاقة تقابلية الا اذا كان الشيء نفسه في علاقة تقابلية جدلية أخرى مع شيء أخر في مستوى ما، لذا يظهر جلياً ان العلاقة التقابلية بين زوجين هي علاقة خارجية بين شيئين تقوم على التأثير والتأثر المتبادل بينهما ،لكن ممكن فصلها بالتراضي . وهو ما نسميه بمصطلح الطلاق. والصياغة المثلى لهذا القانون الرباني وردت في القرآن 🙁 ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون،الذاريات 49). ومن دراسة هذه النظرية يظهر لنا ثنائية اخرى هي :

الثنائية التعاقبية

—————

وهي متمثلة بين ظاهرتين لا تلتقيان أبداً،اذ ينفي وجودالواحد وجود الاخر بالضرورة ويحدث ذلك في ظواهر الطبيعة مثل الحياة والموت كما ظن عرب الجاهلية ، وكما قي قوله تعالى:( لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون،يس 40).وتعاقب الشهيق والزفير في عالم الاحياء،لقوله تعالى:( فأما الذين شَقُوا ففي النارِ زفيرُ وشهيقٌ خالدين فيها مادامت السموات والارض ألا ما شاء ربك فعالُ لما يريد، اي ان لا خلود دائم في النار، وهذا ما لم يذكره التفسيرلجهلهم به. ودليل ذلك ان الله فصل بين الخلود والنار،هود 106). أما الآية 108من نفس السورة فقد ذكر أهل الجنة والخلود فيها في آية واحدة للدلالة على ان الدخول الى الجنة والخلود فيها مرتبطان ببعضهما البعض،فلا أقامة مؤقتة في الجنة، لقوله تعالى:( وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض ألا ما شاء ربك عطاءًغيرَمجذوذٍ.

ولا زالت فلسفة الجدل التاريخي عند الفرس لا تخرج عن ذلك منذ عهد أردشير ووصيته الى خلفائه من الحاكمين،حين حذرتهم من الأغترار بالدنيا والجاه والمال والسلطان ونسيان الناس حين أكدت ان الزمان لا أمان فيه ولا جديد.،(أنظر عهد أردشير للدكتور احسان عباس ،بيروت 1969).

هنا تظهر الآيات القرآنية الكريمة استقرار النقيضين في الجنة والنار،وهي فلسفة لم تدركها الأغريق ولا الرومان ولا عرب الجاهلية..

3

.ويقوم جدل الأضدادعلى صراع تناقضي على التعاقب،وهذا هو جدل تعاقب الضدين. وثنائية تلازمية بين نقضين غير ماديين يتواجدان في الدماغ الانساني حين يؤدي الصراع بين فكرتين الى تاييد احدهما وألغاء الاخرى.ويكون الحكم صادقا اذاكان مطابقاً للحقيقة،ويكون كاذبا اذا لم يطابق الحقيقة.لذا فالصدق يكون هو الحقيقة والكذب هو اللاحقيقة،كما قيل يكاد المريب يقول

خذوني) وهو الكاذب على الحقيقة . و جدل الفكر الانساني متمثلا في الحب والكراهية وهما ومن نظرية الجدل ودراستها نستطيع ان نقرأ تصوراً واضحاً عن نظرية البعث والحساب والجنة والنار والمجتمع الدنيوي والاخروي والاختلاف فيما بينهما. وقد اسهب المؤلف في هذه الجدليات بدراسة واقعية ومشوقة وسوف انقل للقارىء الكريم بعضاً من دراسته العلمية.

اما في جدل الانسان فيطرح القرآن نظرية (الرحمن والشيطان). فهو الوحيد الذي ينطبق على الانسان لكونه بشرا ماديا مدركاً لذا قال الحق : ( وكان الانسانُ أكثرَ شيء جدلاً،الكهف 54) .اي ان هذا الجدل مختص بالانسان دون غيره.لذا فأن جدل الأنسان والمعرفة الأنسانية في القرآن يقوم على:

مبدأ الحق والباطل أي الحقيقة والوهم، فهما ملتبسان في الفكر الانساني بحاجة الى أنفكاك من قبل الانسان، وعليه ان يكون حذرا من التصرف القانوني ضد الدولة والأخرين. وهنا يقول الحق : ( …..يضرب الله الحق والباطل فأما الزبدً فيذهبً جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ،الرعد 17). لذا فأن اساس المعرفة الانسانية هو الفصل الدائم بين الحق والباطل المرتبطين ببعضهما بعلاقة تناقضات جدلية.هنا يأمر الحق بني أسرائيل بقوله : (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون،البقرة 42). وهنا تكمن مهمة الفلسفة الآلهية وبناتها العلوم جميعا بفك الارتباط الدائم في الحياة لاستخراج علوم جديدة تتلائم مع التطور الزمني وهذا ما لم يدركه التفسير ابدا .لذا ظل العقل العربي معطلا دون التطور المطلوب. ان ما طرحه القرآن الكريم ليس بحاجة الى تعريف قدر حاجته الى تطبيق ملزم من قبل المسلمين ،ولكن أين لنا منهم ؟

يطرح الكاتب تصورا جديدا في بداية ظهور هذا الكون المادي الذي حدث نتيجة انفجار هائل ادى الى تغير طبيعة المادة . فالتغير حدي في الصيرورة المادية ،معبرا عنه بنفخة الصوركقوله تعالى:( ونفخ في الصور،الزمر 68) والصور من الصيرورة، وقد عبر عنه بالساعة وهي وقت هلاك الكون ،لتاتي مادة اخرى تحل محل الاولى بقوانين جديدة في كون مادي اخر. من هنا جاء قوله تعالى 🙁 ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ،الروم55). ومن هذا الامر الرباني نستنتج ان ما يدعونه رجال الدين والفقهاء منهم بعذاب القبر بالمفهوم السائد والذي لا وجود له وهو التخريف بعينه وتخويف الناس ونشرالرعب الاخروي بينهم لأحلال التقديس الزائف لهم .

ان الملاحظ من قيام الساعة لا يعني انتهاء الشمس والقمر،لكن الكون الذي سيتعرض للفناء هو الكون الذي وصل به الانسان الى اعلى مراحل التطور العلمي والتقدم المادي حتى ظن انه أصبح رباًً متصرفاً في ظواهر الوجود لقوله تعالى:( انما مثل الحياة الدنيا كماءأنزلناه من السماء فأختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام حتى أذا اخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيدا كأن لم تغنَ بالامس،كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون،يونس 24).فهل تعي الأنسانية اليوم هذا التطور الذي يلازمه الباطل في التطبيق …؟

ان ميزان العدل الآلهي يتناقض مع الخطأ والعدوان على النفس الانسانية والوطن من قبل حاكميها ،لذا اذا ما طغوا وفجروا فيها يأتيها أمره تعالى من حيث لا تحتسب لأصلاح ذات البين واعادة المعايير الاخلاقية الى وضعها الطبيعي،فهل سينبه الفقهاء سلاطينهم الطغاة المارقون الذين نسوا الله فنساهم لحين ، ثم سيفجعهم بهذه النهاية المفجعة،أم سيتركونهم في غيهم يعمهون؟ . ان الذين يتظاهرون بالولاء لمحمد ولأهل البيت عليهم ان يقرأوا نظرية الامام علي(ع)في الوطن والوطنية وحقوق الناس وكيف جسدت عدالة السماء في الأرض ، لا ان تبقى نظرياته عندهم أقوالا لا تترجم الى تطبيقات. لذا على الحاكم الصالح ان يبني كيان الفرد الفكري والعاطفي والخُلقي في الدولة بعدالة القانون .

اما نظرية البعث والحساب فقد ورد البعث في سورة الزخرف لقوله تعالى:( والذي نزل من السماء ماء بقدرٍ فأنشرنا به بلدةً ميتاً كذلك تخرجون).أي ان البعث هو خروج الناس من الموت الى الحياة بكينونة مادية جديدة لا تغير في صيرورتها. أن ما ذكر بخصوص الحساب وكيفية اجراؤه يوم القيامة لم تأتِ تفصيلات فيه سوى أنه ذكر على سبيل العضة والاعتبار كما في قوله تعالى:( هذا ما توعدون يوم الحساب ،ص53).

4

أما الجنة والنارفيقول المؤلف:

لم توجدا بعد وستظهران على أنقاض الكون بعد نفخة الصور وجاهزيتهما ستكون فورية، وبوجودهما سينتهي التطور ويحل محله دار القرار لقوله تعالى:( يا قوم انما هذه الدنيا متاعٍ وان الاخرة هي دار القرار،غافر 39).وبذلك سينتهي القانون الرباني

(كل شيء هالك) ليحل محله قانون رباني اخر هو: (كل شيء خالد )والذي عبر عنه بمصطلح الخلود ،لقوله خالدين فيها ،هود 107). ويبدو ان السموات والارض سيحصل فيهما تبديل لتحل محلها سموات وارض جديدة تحكمها قوانين مادية جديدة لقوله تعالى: ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ،ابراهيم 48) . ويبدو ان الدنيا دار المتاع والغرور والزوال بينما الجنة (أكلها دائم) ومتاعها باقٍ وفاكهة كثيرة ،لا مقطوعة ولا ممنوعة،سورة الواقعة 32-33). ويحاول المؤلف ان يعقد مقارنة جميلة ورائعة وبارعة بين المجتمع الدنيوي والمجتمع الآخروي فيقول:

في المجتمع الدنيوي وجود ظاهرة العمل والراحة، بينما تختفي هذه الظاهرة في المجتمع الآخروي لقوله قطوفها دانية ،الحاقة 23، ويذكر الحالة نفسها في السور القرآنية،الأنسان 14،الحجر 48،فاطر 35.

وفي المجتمع الدنيوي وجود ظاهرة الصحة والمرض ،واختفاء هذه الظاهرة في المجتمع الاخروي لقوله تعالى :(وان الدار الاخرة لهي الحَيواَن،والحيوان هنا ضد موتان وهي من الحيوية ،العنكبوت64 .

وفي المجتمع الدنيوي وجود ظاهرة الخير والشر في العمل الانساني ،بينما تختفي ظاهرة الشر في المجتمع الاخروي لقوله تعالى 🙁 ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ أخواناً على سررٍمتقابلين،الحجر 47).

وفي المجتمع الدنيوي وجود ظاهرة الحرب والسلام ،بينما في المجتمع الاخروي تختفي ظاهرة الحرب ويسود السلام،لقوله : ( ان ذلك لحق تخاصم أهل النار،ص64).

لكن السؤال المطروح هو :هل ان مواصفات اهل الجنة يمكن تحقيقها في الحياة الدنيا ؟ يبدو ان الجواب يقول مستحيل للسبب التالي:

ان قوانين المادة الكونية الحالية تخضع لقانون صراع المتناقضات الداخلي الذي يؤدي الى تغير الصيرورة بأستمرار ،فهي لا تسمح ابداً بقيام مجتمع يتشابه مع المجتمع الأخروي للتناقضات الخاصة به والتي تؤدي الى هلاكه لقوله تعالى (وان من قرية الا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب ،الاسراء 58). ويستنج الكاتب ان في الكون الجديد والقوانين الجديدة في المجتمع الاخروي، ان لا ولادة ،ولا موت، ولاتغير في الصيرورة والتسبيح يبقى للملائكة فقط ،لقوله تعالى:( وترى الملائكة حَافينَ من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم بالحق وقيل الحمدلله رب العالمين،الزمر 75). وكلمة الحمدلله رب العالمين جاءت في البداية والنهاية، لقوله:( له الحمد في الدنيا والاخرة،القصص70). ولربما يستطيع أهل الجنة رؤية الله بعد الخلود فيها لطبيعة المادة الجديدة في الكون الجديد. وذاك علم لم يدرك الى اليوم ،فهل باستطاعت الفقهاء في ذلك الزمن المتقدم ان يصلوا الى هذه النتائج ؟كلا والف كلا لجهلهم حتى بمفردات التأويل القرآني العظيم.

نقول والتعليق لنا وليس للمؤلف :

ويبقى شيء لابد من التعليق عليه وهو:ان هذا الميزان الرصين الذي خلقت به السموات والارض والجنة والنار والقوانين التي وضعت لتحقيق العدالة الاجتماعية على الأرض وتقنينها، والوعد والوعيد لمن يخالف ارادة الله الواحد القهار، أخفاها الفقهاء عن الناس وحولوا الايات القرآنية العظيمة الى تفسيرات طوباوية لا يفهم منها الا ما راق لهم من تفسير خاطىء ،وفكر مقوقع يلفه التخلف والانحباس الفكري الرهيب خدمة لمصالحهم الخاصة ومصلحة السلطان،لذا لم تتحول الأوامر الربانية الى أوامر تلقائية التنفيذ عند الناس والحاكم كالمواد الدستورية لكون الزامية التفسير جاءت رمادية ،حين أبتكروا لنا الفِرَق المذهبية الأجتهادية المتناحرة والحزبية والطائفية والعنصرية والجبرية وتشجيع فكرة القدروالأعتزال والأرجاء وتكوين الكتل الساكتة عن الحق مما ادى الى تشتيت فكرة الزامية المعتقد .

5

على السلطة في العراق ان تتخلى عن تطبيقات الفكر الديني لتحوله للقانون، بعد ان اساء الفقهاء للدين والقرآن وحولوه الى مزرعة للعاطلين.

هذا هو منتج الفقهاء ولا غير، فجرواَ علينا الويلات والثبور والتي تخلصت منها المجتمعات المتحررة من أزمان بعيدة ونحن لازلنا نلصقها بالقرآن والسُنة ورب العالمين والقرآن والرسول منها براء .فهل من حلٍ لنا؟

ان الحل يكمن في أنهاء الازمة الفقهية الحادة التي تمر بنا،وأحلال فقه جديد معاصر على يد علماء التخصص، وفهم معاصر للسُنة النبوية،وحصر مدارس الدين في الحوزة الفقهية لكل المذاهب في مدينة واحدة مستقلة على غرار مدينة الفاتيكان ،وذلك بأعادة النظر في الفقه الاسلامي لكل الفرق الاسلامية الأجتهادية التي لا تملك علينا فروض الطاعة دون حجة وقانون ودون تمييز،لذا لابد لنا من صياغة نظرية جديدة في المعرفة الانسانية قائمة على منطقية الجدل العلمي الصحيح واعلان اسقاط الفرق الاجتهادية بقانون رسمي قابل للتنفيذ بعد ان أنتهى زمانها في التطبيق .

،ان هذا المنطلق الجديد سيولد لنا بالضرورة الحل الفقهي الذي سيطرح للمناقشة لعلنا نصل الى ما نريد، بعد التوقف عن طباعة كتب التراث الميتة التي جمدت عقول الاجيال وما يطبع منها الملايين دون نفع او فائدة تذكر لا بل تعتبر تخريبا لعقول الناشئين اليوم. ولو استبدلناها ببناء المدارس والجامعات في الوطن العربي لبنينىا الف مدرسة وجامعة للمحرومين من العلم . فهل من حاكم شجاع ينبري لتنفيذ المهمة في هذا الزمن الصعب؟ ، زمن هزيمة الامة وانتصار الباطل عليها ؟من الصعب علينا ان نقول نعم .

فالشعوب لا تُبدل لكن فكرها الذي يجب ان يُبدل ويُغير لصالح التحديث،وهذا هو واجب ولي الآمر في الدولة ،يقول الحق : ( ان الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم ،الرعد 11). وبالأصرار على الصحيح والجد والمثابرة والعقيدة الصامدة والايمان بتطبيق الدستور والقانون طواعية من قبل الدولة والمواطنين سيتغير فكر الأمة لصالح التجديد. والمهمة تقع على عاتق العلماء الافذاذ الذين يؤمنون بالحضارة والتقدم والسعادة للجميع ولا يهابون الصعاب. ولا يتحقق هذا الهدف الا بعد ان يُعزل رأي الفقيه ويلغى التفسير لصالح التأويل العلمي للقرآن الكريم،

ليحل محله رأي العالم الأصيل.. .كما يقول القرآن الكريم .

[email protected]