23 ديسمبر، 2024 8:34 ص

الكتاب والقرآن …قراءة معاصرة …؟/4

الكتاب والقرآن …قراءة معاصرة …؟/4

تأليف د. محمد شحرور
مع التصرف
الأنزال والتنزيل في القرآن الكريم كيف نفرق بينهما،
يعرف التنزيل بأنه عملية نقل موضوعي خارج الوعي الانساني ، بينما الأنزال هو عملية نقل المادة المنقولة خارج الوعي الأنساني من غير المُدرك الى المُدرك،اي عملية دخول المادة القرآنية المنزلة الى المعرفة الانسانية.

ان الفرق بين الأنزال والتنزيل يعطينا مفاتيح الفهم للكتاب بشقيه الرسالة والنبوة،ومبادىء التأويل،والا كيف نفهم الاختلاف في الآيات المتشابهة في الأنزال والتنزيل والمختلفة في القصد؟

هذا التوصيف ينطبق على وجود الانزال والتنزيل لشيىء واحد هو القرآن الكريم ، يقول الحق : ( انا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ، الانسان 23)، وعلى تنزيل الماء ، يقول الحق : (وأنزلنا من السماء ماءأً طهورا، الفرقان 48)، وتنزيل الملائكة ، يقول الحق : (ولو أننا نزلنا أليهم الملائكة وكلمهم الموتى ، الانعام 111) .أما في حالة وجود أنزال دون تنزيل كما في حالة الحديد ، يقول الحق : (وأنزلنا الحديد،الحديد 25)، وانزال اللباس ، يقول الحق : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يوارى سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى،الأعراف 26) ، وأنزال المن والسلوى، يقول الحق : (ونزلنا عليكم المن والسلوى، طه 80) .

ان الانزال هنا هو عملية معرفية للأدراك فقط (اي للمعرفة لا غير) . فأنزال القرآن شيء وانزال الحديد واللباس شيىء اخر، أذ ليس من المعقول مساواتها في الأنزال والتنزيل انسجاما مع قوانين الحقيقة الموضوعية، أي يجب ان يكون بينهما رباط منطقي مع مطابقة موضوعية ،وهذا غير متوفرالا في حالة واحدة من الحالتين وليس في كل الحالات.

اذن كيف جاز لهم نفسيرهما بتفسير واحد…؟

وحتى تكون هناك حالة أنزال منفصلة عن التنزيل في القرآن، يجب ان يكون للقرآن وجود قبل الانزال والتنزيل ،ومن هذا يفهم بأن أسباب النزول التي تحدث عنها الفقهاء ليس لها أي معنى في القرآن،لأن تنزيل القرآن على النبي (ص) هو حتمي سواءً سئُل عنه أو لم يسئل . لذا فالمؤلف يقول : ان الله قال عن الاشياء التي تخص مواضيع القرآن مثل الغيبيات ،يقول الحق : (يا أيها الذين أمنوا لا تسئلوا عن أشياءٍ أن تٌبدَ لكم تسوءكم وان تسئلوا عنها حين يُنزل القرآن تُبدَ لكم عفا الله عنها،المائدة101)،ولم يقل أبداًعن الأشياء التي تخص الأحكام أو تفصيل الكتاب لا تسئلوا عنها.هنا يتبين لكم الفرق بين الأثنين ، وهذا ما يفسر قول الحق وتلك حدود الله لا تقربوها لمعرفة الخالق العظيم بعجز الانسان عن أدراكها .هذه امور لم يعرفها المفسرون لجهلهم فلسفة القرآن الكريم في ذلك الزمن البعيد.لذا فنحن بحاجة الى تأويل للقرآن علمي جديد.

2

فالسؤال عن الوجود للقرآن قبل الأنزال والتنزيل أمر في غاية الأهمية ،وعن ماهية هذا الوجود ، فأن الله بالمقياس اللغوي والمعرفي هذا هو عربي.وبما ان كلام الله مطلق لأنه هوعين الموجودات ونواميسها،لكنه لم يقل عن نفسه أنه متكلم . فالنواميس التي تحكم الوجود خُزنت في لوح محفوظ وفي كتاب مكنون وضعه في أعلى علوم التجريد،وأعلى هذه العلوم هي الرياضيات لذا قال الحق :(وأحصى كل شيء عددا،الجن 28)،فالأحصاء هو التعقل، والعدد هو حال الاحصاء وليس الأحصاء نفسه .هنا كان القرآن في اللوح المحفوظ صيغة غير مدركة،فحين أنزَله الحق على النبي ليبشر به الناس جرت عليه عملية التغيير في الصيرورة، أي في صراع الأضداد ، وهي القانون الحتمي الذي يحكم الكون والانسان والآدراك- ،اي جعلة مدركاً للنبي يقول الحق : :

( أنا جعلناهُ قرآناً عربياً لعلكم تعقلون،الزخرف3)، أي كان له وجود مسبق قبل أن يكون عربياً فجعله عربياًعند التنزيل،وهنا جرت عملية التغيير في الصيرورة لينقل من اللامدرك الى المدرك. أي كان القرآن قبل الأنزال غير مدرك،فأصبح بعد الانزال مدركاً. فلسفة قرآنية عميقة يجهلها فقها التفسير ،لذا ألتجئوا الى الترادف اللغوي الخاطىء في التقييم.

أما نزول القرآن في ليلة القدر ، فقد أُُنزلَ القرآن جملة واحدة وليس مفرقاً يقول الحق :(أنا أنزلناه في ليلة القدر،القدر1)لكن هذا ليس معناه نزول القرآن الى الارض دفعة واحدة،بل نزوله الى السماء الدنيا،وتم اشهاره في ليلة القدر،يقول الحق :(ليلة القدر خير من ألف شهر،القدر3) فالشهر هنا معناه الاشهار الأعلامي وليس الشهر بمعناه الزمني،لأن القرآن نزل على النبي بواسطة جبريل (ع) خلال 23 سنة في مكة والمدينة منطوقا لا مخطوطا، اي غير ملموسٍ كما في قول الحق :(ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوهُ بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين(الانعام 7) . لذا قال الكفار لماذا لم ينزل القرآن دفعة واحدة فيرد القرآن عليهم بقوله 🙁 وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا،الفرقان 32) اي جاء بصف ٍواحد على نسق معين،لأن الترتيل لا يقصد به التلاوة كما وردت خطئاً عند المفسرين واصبحت حقيقة خاطئة في رؤوس الناس،وأنما يقصد به التنسيق في الآيات القرآنية ليبعد عنها التداخل ،هنا نحن بحاجة الى تنسيقه الآن وترتيب سوره وآياته من جديد حسب وقت النزول لا على الكيف كما أوردها المفسرون بلا دليل.

بينما جاءت الوصايا العشر الى النبي موسى منسوخة على الواح كما في قول الحق : (ولما سكت عن موسى الغضب اخذ الالواح وفي نسختها هدىً ورحمة للذين هم لربهم يرهبون،الاعراف،154) ،فكلمة الألواح تعني القرطاس الذي نسخت فيه الوصايا.بينما الوصايا العشر التي جاءت لمحمد(ص) كانت أملاءً وليست بصحائف كما في وصايا موسى (ع).رغم ان الوصايا هي نفسها دون تغيير…؟ والى عيسى جاءت بتعاليم ،يقول الحق :” ويعلمهُ الكتابَ والحكمةَ والتوراةَ والأنجيل،آل عمران 48.”

فالكتاب هو الرسالة، والحكمة هي الوصايا، والتوراة هي النبوة،والأنجيل هو كتاب عيسى،ومجموعهم هو الكتاب المقدس . وكلها دمجت تحت عنوان الحكمة كما يقول الحق : “وآتينا لقمان الحكمة” ،لقمان 12. وبما ان لقمان ليس نبيا ولا رسولا فقد ذكر الحكمة بمقياس الأخلاق التي يجب ان يتصف بها كل من يؤمن بالله والرسول ويكلف بقيادة الأمة كما في قول الحق :” وَمن يؤتَ الحكمة فقد آوتيَ خيراً كثيرا،البقرة 269″. وقد أكد الامام علي(ع) في نهجه حين قال:علموا اولادكم الحكمة فقد خلقوا لزمان غير زمانكم ،انظر الوصايا في

3

النهج . فليدرك من يدعون الاسلام ويعتدون على الحقوق والملة ، ان الامور عند الله تقاس بميزان الذهب وليس بتدجيل مرجعيات الدين ورجالهم في الفبركة والتحوير،كما في الجهاد حين حولوه الى كفائي وفرض عين ،بينما هو واحد لا أثنين؟

وهناك جملة امور يجب مراجعتها في الانزال والتنزيل منها :الانزال والتنزيل في أم الكتاب،وهنا لم يخصص سبحانه وتعالى آية خاصة لتنزيل الكتاب،بل قال الحق : (تنزيلُ الكتاب من الله العزيز الحكيم،الزمر1) لأن خصوصية فصل الأنزال عن التنزيل جاءت للقرآن وحده دون بقية مواضيع الكتاب ولذا خصها وذكرها صراحة لأنها من خصوصياته. أما التنزيل للملائكة فيعني نقلة مادية موضوعية خارج الوعي الانساني كنقل الصوت والصورة معاًعن طريق الأمواج التي ترى بالعين وتسمع بالأذن في التلفزيون، لكنهالا تدخل ضمن المدركات.هذه الفلسفة القرآنية العميقة كانت فوق مستوى المعرفة الانسانية للفقهاء والمفسرين يوم ذاك وحتى اليوم ، لذا فالقرآن يؤول من قبل العلماء مجتمعين لا الفقهاء متفرقين،أنظر الآية 7 من سورة آل عمران..؟

هنا كانت الطامة الكبرى عندما أنبرى الفقهاء بتفسير القرآن وحسبناه صحيحا وأدخلناه بمنهج الدراسة فبلدنا عقول الأجيال.

هكذا كان تنزيل الملائكة تنزيلاً مادياً ولكن دون ان يراها أحد كقول الحق :(تَنَزلُ الملائكةُ والروحُ فيها بأذن ربِهم من كل أمر،القدر4).وكذلك الانزال والتنزيل في المن والسلوى ،فقد حصلت النقلة خارج الوعي بأن جاءهم المَن والسلوى دون ان يعلموا ماهي، ولأي سبب نزلت لذا قطع قول الحق :(كُلُوامن طيباتِ ما رزقناكم) ولم يدرك بني اسرائيل هذا الانزال الا بعد أكله. أما الأنزال والتنزيل للماء،فأنه يعطي ظاهرة قابلة للأدراك وهي من المدركات بقوله تعالى :(ألم ترَ ان الله أنزل من السماء ماء فَسَلَكه ينابيع في الارض،الزمر 21)،وهذا يعني ان ظاهرة جريان الماء في الارض هي ظاهرة قابلة للادراك الانساني فعليك دراستها للاستفادة الحياتية منها،

وهذا ما يسمى اليوم في العلم الحديث بعلم الهيدرولوجيا.

أما الظواهر التي حصل فيها الانزال دون التنزيل كما في قول الحق :(وأنزلنا الحديد)،وفي قول الحق : يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً)،فالانزال هنا مرتبط بالوعي الانساني ،فاذا كانت هناك ظاهرة في الطبيعة موجودة موضوعياً ولكن لا يدركها الانسان وحصل أنزال لها، فهذا يعني أنها أصبحت من المدركات، كما في النيزك الكبير الذي أنفصل عن الجاذبية وسقط في الاتحاد الروسي قبل سنين.وهنا يكمل التعريف الأساسي لنظرية المعرفة الأنسانية في القرآن حيث تتلخصت في الأنزال،أي أنه بالنسبة للأنسان

سبق الوجود الادراكَي،والأنزال كما نعلم هو عملية ادراك الموجودات.

ان عدم فهم هذه الظواهر الربانية من قبل المفسرين ،ترك سوء فهم ٍفي الحدود والتعليمات،فلم يستطيع الفقهاء التفريق بين الرسالة والنبوة – التي شكك فيها الاستاذ رشيد الخيون دون تحقيق -، وبين الكتاب والقرآن ،والذكر والفرقان .مماجعل الناس محتجزين في أفكارهم، ضيقي الافق،يتلقفون المعرفة القرآنية من الفقهاء والمفسرين دون أدراك لمعناها في التطبيق، فضاع العقل وضاع مفهوم القضاء والقدر، والحرية الانسانية ، ومفهوم العقاب والثواب والمسئولية، لذا جاءت هذه المفاهيم رمادية التفسير في الادبيات الاسلامية عند المفسرين الذين لم يدركوا ماهيتها ولم تترك اثرا معمقاً في نفوسهم وأفكارهم وتطبيقاتهم العملية الى اليوم .فظلت المجتمعات العربية والاسلامية في سجن حديدي لا تستطيع الفكاك منه مما ولد ويولد لنا كل السلبيات

4

التي لم نستطيع فهمها لا بل قل ان الآيمان فيها رمادياً ،لذا اخترقتها قيادات الدولة دون أكتراث من مسؤليتها الربانية ولم تلتزم بالوصايا رغم انها آيات حدية لا يجوز اختراقها بالمطلق..؟.

و لكن علينا ان نعترف ان بعض الفقهاء قد حام حولها ولم يدركها دون ان يقع عليه كالراغب الاصفهاني والزمخشري، لكنهم لم يعطونا رأيا ثابتا فيها،بل ضلت تفسيراتهم تحوم حول العضة والاعتبار لا التأكيد. وحتى في لسان العرب لم يُذكر الفرق بين لفظتي أنزلت ونُزلت لذا بقيت الامور عائمة دون تثبيت.

نعم القرآن صالح لكل زمان ومكان ويفهم للأرضية المعرفية للقوم الذين يستخدمونه وهذا أقرار منا به ، لكننا بقينا نعتقد بأعجازه دون فهم لهذا الاعجاز مبين،( وهذه هي احدى معوقات تطبيق الاسلام كما اراده الله للناس). وحين فشلوا في التوصل لمعرفة الحل جاؤا لنا بالمذاهب الاجتهادية الفردية الناقصة التي انتهت زمنيا مع التاريخ التي دمرت المستقبل العربي الاسلامي وجعلته في تيهٍ كبير…؟

ونحن نصر اصرارا كبيرا ان ما يتداوله المسلمون اليوم من المفاهيم الاسلامية الخاصة بالتشريع التي أوردتها المذاهب الاسلامية الاجتهادية والتي يسمونها (أحكام الشريعة) هي بعيدة كل البعد عن المفاهيم الاسلامية الصحيحة وعند كل الفِرق الاسلامية دون أستثناء،

فليس في الاسلام شريعة اجتهادية وانما أحكام ملزمة التنفيذ. وهذه هي معوقة اخرى من معوقات التطبيق في الحقوق.

الانزال والتنزيل بين الاسلام والمسيحية ، يقول المؤلف :

——————————————————

لقد طالب العرب النبي بالأنزال دون التنزيل كما ورد في سورة هود، يقول الحق 🙁 لولا أنزل عليه كنزُ او جاء معه مَلكُ انما انت نذير،هود 12) .فالعرب لم تطلب أنزال الكنز كما ينزل المطر لكنهم طلبوا من النبي ان يوحي الله له عن مكان كنز مخبأ في الأرض ولا احد يعرف مكانه فيدلهم عليه لتنقل حالتهم الى الرفاه الاجتماعي تخلصا من الفقر والعوز.

أما الحالة الثانية التي طلبوا من النبي التنزيل دون الأنزال ،طلبوا منه ان يوحي الى الله ان ينزل عليه كتابا ماديا منسوخا على قرطاس يلمسونه بأيديهم ،ويرونه بأعينهم ويقرأونه بألسنتهم ليصدقوا الدعوة المحمدية ويدحظوا من قال ان هذا الا سحر مبين.وقد عبر القرآن عن هذا التصور العربي بقول الحق : (أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرُقيك حتى تُنزلَ علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت الا بشراً رسولا، الأسراء 93) .

هنا دارت معركة الفكروالحجة بالدليل والتحقق بين العرب والرسول ، معركة فكرية تثبت ان العرب كانوا بمستوى الفكر الرباني الجديد وليس جهلة كما قالت لنا غالبية المؤرخين، لكنهم ارادوا معرفة الحقيقة الملموسة باليد والدليل، لذا يقول الامام علي (ع) في معرض هذا القول في القرآن 🙁 ان الدليل هو الحجة).وهذا مالم يذكره الفقهاء في تفاسيرهم فجاء التفسير عندهم مبهما رماديا تطغى عليه العاطفة دون العقل في التثبيت،وانا لأعيب عليهم التقصير ،لانهم كانوا يجهلون…؟.

5

بينما مثل هذا الحوار دار بين الحواريين (المسيحيين ) وعيسى بن مريم حين قالوا له كما أوردها القرآن في قول الحق : ( اذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك ان يُنزل علينا مائدة من السماء،قال أتقوا الله ان كنتم مؤمنين،المائدة 112).

قالوا نريد ان نأكل منها وتطمئن قلوبنا ،المائدة 113، قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً،المائدة 114، قال الله اني مُنزلها عليكم فمن يكفر بعد ُفأني أعذبه عذابا لا أعذبه أحداً من العالمين ،المائة 115.

في الحالة الاولى كان لطلب الحواريين من عيسى وهي حالة التنزيل ،وفي الثانية يقول الحق أني مُنزلها وهي حالة الأنزال، استجابة لطلب عيسى من ربه فكان الأنزال بأن اوحى اليه وحيا بأمرها ،وهذا ما تدعيه المسيحية بأسم العشاء الرباني الأخيرالذي أصبح مقدساً عندهم بالدليل.

من هنا بدأت نظريات الجدل والمجادلة في العصور الوسطى بين القساوسة والكرادلة والعلماء الأوربيين يزداد يوما بعد يوم حول التوصل الى صيغة الحقيقة التي اصبح فيها رجال الدين هم عصب الحياة ومسيروها بدكتاتورية الكنيسة وكرادلتها ، لذا رفض العلما ء فكرة سيطرة الدين على الدولة وحقوق المواطنين في التطور والخلاص من انحباسية فكر رجال الدين وابقاء المجتمع المسيحي في هذه القوقعة دون تقدم في الحقوق والعلوم او تطوير، هنا في هذا الموقف العصيب ظهرت حركات لوثر وكالفن ودارون وكل المطالبين بفصل الكنيسة عن الدولة والتي دفعوا لها أرواحهم من اجل البشرية وانتزاع سلطة الكنيسة ورجال الدين،وعندما تحقق لهم الامر بعد جهد جهيد،خرجت أوربا من عنق الزجاجة الى مدارج العلم والتكنولوجيا كما تراها اليوم، وبقي الدين في آوربا كما هو موجها ومراقبا لكل خطأ في التطبيق وهذا هو الصحيح. وهذا هو الذي يجب ان يطبق عند المسلمين لا ان نبقى نهرول خلف مرجعيات الدين دون تغيير..

اما نحن في الاسلام ،فقد ظلت الدولة تواجه مشكلة لا تُعرف لها حلا،وهي الحاجة الى دستور شرعي يضمن حقوق وواجبات المسلم ورأيه في التفكير الحردون تعنيف ، لكن هذا لم يتحقق لأن الرئاسة و السلطة والمال بقيت الاساس في تفكيرقادة المسلمين، ولكوننا لم نعد أنفسنا اعدادا فكريا سياسيا جيدا، ولم نجد مفكرين او فلاسفة رسموا لنا الصورة الحضارية التي سيكون عليها الوطن بعد الحركة التاريخية في الاسلام .فبقيت نظرية (منا امير ومنكم امير) متحكمة في العقول الى اليوم . علماً ان حكامنا لم يعودوا بمقياس هيئة الحكم هم

أصلح هذه الامة لكي يقودوها ، فظل الخليفة يحكم بوراثة العرش لا بقوانين القرآن الكريم، ويحتكر الثروة له ولمن حوله من الاعوان،ويحتكر المعرفة ويسندها لرجال الدين،والقرآن لا يعترف برجال الدين،ولا يخولهم

حق الفتوى على الناس والحاكم متمتع بالأمتيازات بأسناد مرجعيات الدين المترفة على حساب الجماهير والتي تلكئت على مبادىْ أهل البيت والصحابة نظريا وهي منها براء في التطبيق.. .

ان الأفكار التي طرحتها المؤسسة الدينية الاسلامية منذ البداية كانت أفكارا مميتة من دون شرع الجماعة والقانون،،مخالفة لدستور المدينة المُغيب اليوم عن المسلمين ولا زالت كما هي،.ولقد اثبت التاريخ ان كل طروحاتهم كانت متعارضة مع مفهوم الفلسفة القرآنية المعمقة في التاريخ، حين فُسر النص القرآني تفسيرا ترادفيا مخالفا للقصد الرباني، زرعها الفقهاء ومن أمتهن التفسيرالقرآني في رؤوس الناس خدمة للحاكمين ولا غير، منذ عهد الامويين والعباسيين والعثمانيين ،فاصبحت تقليداً خاطئاً بمرور الزمن، فبقينا نعاني من النظم السياسية التي لم تقم على مبادىءالدستور والقانون والفصل بين حقوق الحاكم والمواطنين، وأنما ظلت تطبق

6

على قوانين التراث والعشائرية والتقاليد البالية التي أهملت الزمان والمكان وأغتالت التاريخ واسقطت العقل ولم تؤدِ بالانسان المسلم الى تحقيق الحلم المنشود في الاستقرار والعدالة الى يومنا هذا حتى تمكنت منا السلفية دون رادع من ضميروبقينا الى اليوم ندور في نظريات التاريخ المنغلقة دون تفكير وتطوير،وظلت مناهجنا المدرسية بمثابة الكابوس على نظريات التغيير. .

اننا لن نخرج اليوم من هذه المعضلة التي غلفتنا بالتخلف والا رتداد السلبي حضاريا ،الا بوجود أنظمة سياسية تحترم مواطنيها وتحترم القانون ،لغرض بناء مؤسسات ديمقراطية عادلة كما أرادها القرآن الكريم ،ولا نبقى

نتمشدق بالأصالة والتراث والأقاربية والمذهبية الباطلة وما جاء به السلف الذي عتم عليها أصحاب الفِرق الاسلامية المختلفة بفتاواها الاجتهادية الفردية – تسندها فضائيات التخلف – التي أنتهت زمنياً ولم تعد صالحة اليوم للأستعمال بعد ان ضاع تأويل النص القرآني بالدليل .لذا فأن الحل الوحيد امامنا يكمن في نشر نظرية الحقوق والقانون بين الناس التي جاء بها دستور المدينة في عهد الرسول (ص) في التطبيق دون تفريق. فدولة الرسول كانت دولة مدنية ولم تكن دولة دينية .فالمواطنة في القرآن مقدمة على كل تصنيف،انظر سورة التوبة آية .120،43

. ويبقى السؤال المهم الذي نطلب من مرجعيات الدين والفقهاء الاسلاميين ان يجيبوا عليه وهو:

هل فهم السَلف الأنزال والتنزيل بهذا الفهم القرآني العميق ؟ وان لم يكونوا قد فهموه فهل ذلك يضيرهم من الاعتراف بالتقصير…؟

فماذا لو أستقلت مؤسسات الدولة المدنية عن تأثير وسيطرة مؤسسات الدين ؟.

من وجهة نظري سيتحرر العالم الاسلامي من آفة قضت على الانسان وحياته عند العرب والمسلمين وفي وطن العراقيين خاصةً،والذي ضاعت فيه المعايير؟ حتى اصبح الدين مقرونا بالتخلف والارهاب دون تقييم ، ان هذه المهمة الصعبة في التغيير تحتاج الى شخصية سياسية كريزماتية في القيادة تستطيع اختراق الصعاب التي تواجه الامة وهي غير موجودة اليوم ،او قل موجودة في العراق اليوم لكنها خائفة ومترددة والخائف لا ينتج ،لذا عليها ان ينزوي ليحل محلها الشجاع المقدام .

فالقضية قضية شعب ينتهي ووطن ينهار…واجيال ضاع مستقبلها؟ ، فمتى تتغير نظرية الصيرورة حيث تكمن عقيدة التوحيد وتتحقق نظرية ان الدين عند الله الاسلام ، اسلام المسلمين المؤمنين لا اسلام السلفيين والقاعديين والمعممين آكلة لحوم البشرالراتعين في المال وسلطة التقديس، ساعتها سنصحوا على حقيقة التغيير ويكون الدين مراقبا لا حاكما ،حينئذٍ سنلحق بالشعوب المتقدمة لننقذ الوطن والشعب من الخطأ المستمرفي التقييم والتطبيق…؟

[email protected]