18 ديسمبر، 2024 8:34 م

الكتاب مقروء من عنوانه

الكتاب مقروء من عنوانه

معلوم أن لأغلب الكلمات مرادفات، وللأخيرة هذه أصداء وأبعاد، تبلغ من المعنى والمقصود والمراد أحيانا، ما لا تبلغه الكلمة ذاتها، ولنا في لغتنا العربية سابقا ولاحقا خير تطبيق وشاهد. ولعلي أوفق باستشهادي مثلنا القائل؛ (الكتاب يبيّن من عنوانه) وقد سبقنا في هذا المعنى الشاعر العباس بن الأحنف حيث أنشد:
كنت مثل الكتاب أخفاه طي فاستدلوا عليه بالعنوان
وهذا مايحذو حذوه ممتهنو الصحافة، إذ أن إيلاء الـ (مانشيت) أهمية كبيرة في تحرير الخبر الصحفي في وسائل الإعلام المقروءة، وانتقاء مفرداته وفق ضوابط وشروط لغوية ونحوية، وصياغته بشكل مميز طرحا وتقديما، يضفي على الخبر جاذبية وتشويقا، يأخذان من اهتمام القارئ نصيبا كبيرا، فيغدو من حيث يدري ولا يدري متابعا جادا، فتنساب عيناه من حيث يشعر ولايشعر، الى حيث متن الخبر، فيتناوله بنهم وتعطش شديدين، ليفك بمفرداته ما استوحاه من المانشيت من رؤوس أقلام. إلا أن هناك شرطا أساسا في هذا الأمر، على القائم بتحرير الخبر وضعه بعين الاعتبار، وأخذه على محمل الجد، هو أن تكون أهمية الخبر والأحداث التي يتضمنها الموضوع، تتلاءم مع الصورة الرائعة التي رسمها المانشيت، وتوازيه باهتمام القارئ، وإلا فإن الأمر يأخذ حينها طابع الخديعة والتمويه والتحايل واللف والدوران.
فحين يتابع القارئ متن الموضوع، ولا يجد فيه ما وجده في المانشيت من قوة وأهمية، تتزعزع ثقته بكاتب المادة، وسيثأر للخديعة التي تعرض لها، وسيعدّ مامر به ضربا من الاستدراج والمراوغة، لإرغامه على قراءة الموضوع، وقطعا هذا ليس من صالح الكاتب، ولا الجهة الإعلامية التي يصدر عنها ذاك المطبوع.
وباستذكار بعض المانشيتات التي كان يضعها كادر متخصص في وسائل الإعلام في زمن النظام السابق، يتضح لنا الاهتمام البالغ بالعنوان، والثقل الأكبر الذي كان يخصص لصياغته، إذ كنا نقرأ في صدارة الصفحات، مانشيتات بالخط العريض كالآتي:
* من حمورابي الى صدام حسين…
* نبوخذ نصر ينهض من جديد…
* حمورابي يحمل مسلته إلينا…
ثم يتبين بعد حين، هراء تلك العبارات وخواؤها من كل معنى تحمله مفرداتها، حيث ينقطع صداها بقراءة أول سطر من الخبر، ويختفي زخرفها ويخفت بريقها مع الاستمرار بقراءته، فيتجسد فيها قول الشاعر الأندلسي ابو بكر بن عمار:
مما يزهدني في أرض أندلــس أسـمـاء معتضـد فيها ومعتـمـد
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
ما دعاني الى الإطناب في موضوع العناوين والإشارة الى ما نريد بها والاستدلال على الأشياء بمسمياتها، هو ما ينشر اليوم في وسائل الإعلام لاسيما المقروءة منها، فيما يخص الكتل والقوائم والكيانات والتحالفات ومسمياتها، إذ أن جميعها من دون استثناء تحمل من الأسماء الرنانة والألفاظ الجزلة، مايشير الى معانٍ سامية ووطنية، وأغلبها ينم اسمه عن رعاية مصلحة البلد، وتفضيلها على باقي المصالح، وهذه كما نقول: (من الزينات).
ولعل (من الزينات) أيضا، أن تشير مسميات كتل الى الاتحاد وتنادي به، وكتل أخرى حملت اسم العراق فانتسبت اليه، وكتل اختارت من الألوان أنصعها وأنقاها اسما لها، وهكذا تعددت أسماء الكتل بمفردات وعبارات رنانة، غير أن أفعالها تبقى مجهولة المصداقية الى حين، إذ لا أحد يبت في هذا حاليا، ولا أحد يجزم فيما ستكون عليه الأفعال إزاء هذه الأسماء، وهل ستتمتع بذات الوقع والصدى الذي تحمله؟
فمشوار إثبات النيات السليمة مازال في بدايته، وللقوائم الفائزة والكتل التي ستتبوأ المقاعد الوقت الكافي للوفاء بالوعود، وسيتبين حينها المزيف من المسميات، والصادق منها، ولعل مثلي المذكور في بداية سطوري هذه يلوح بشيء مما اقصده، وأراني أكرره ثانية من باب التأكيد لا التذكير، إذ يقول: (الكتاب يبيّن من عنوانه) وعنوانكم يامرشحون أشهر من نار على علم، مع الإشارة أن من الأعلام سابقا، مايوضع فوق بيوت “الدعارة”، للاستدلال عليها.