“مَن يكتب يقرأ مرتين”
كان العنوان “الكتابة على جلود الأموات” , فأبدلته بهذا العنوان , فما عاد للكلمة قيمة ودور في حياتنا , بل أنها كلام تذروه الرياح , وموجة في تيار الحياة الجاري تدوسها أمواج وأمواج.
“وإن من البيان لسحرا , والكلمة الطيبة صدقة” , هذه الرؤى ربما لا تتوافق مع العصر الذي سحق الكلمة وأفرغها من طاقة الحياة , وصارت محكومة بإرادة الكراسي الموكلة لإنجاز مآرب المتحكمين بمصيرها.
فالمتسلطون على الناس , موظفون لدى المالكين الفعليين للبلاد بما فيها وما عليها.
وبموجب ذلك , صوت السلاح أقوى من صوت الكلمة , والقذائف الموجهة نحو الصدور والرؤوس أشد وقعا على المواطنين من أي كلام.
أما القذائف الإعلامية المصنعة في مختبرات تخنيع الشعوب وتكوين القطيع , فأنها مبيدة ومن أسلحة التدمير الشامل.
فقل ما تقول , واكتب ما تكتب , فلن يؤثر ذلك في المسيرة , فقوافل العدوان والإمتهان تمضي إلى أهدافها , والأقلام تكتب وتكتب , ويذرون في عيونها الرماد.
ومن الواضح أصبحت المآسي والويلات تتناسب طرديا مع زيادة كميات المكتوب , فمنذ أكثر من عقدين والأقلام ما توقفت , كتبت عن كل شيئ , وطرحت معالجات لا تحصى ولا تعد , وسكة الخراب والتدمير ما تغيرت , والتفاعلات السلبية ما هدأت , والفساد بلغ ذروته , وإنهيار المنطومة السيادية في أوجه , ومَن أوهموهم بأنهم قادة وساسة , يعيشون في أمية مروعة , وبيدقية فائقة , فهناك مَن يأمرهم ويحركهم وفقا لمقتضيات رقعة المصالح والأجندات.
فلماذا لا تغادر الأنامل الكي بورد , وتعيد للقلم كرامته , وللكلمة قيمتها , وتخرج الناس من سجن الترويح والتنفيس (التنفيه) عما يعتريها من الإحباطات , والإختناقات الحضارية العاصفة في ديارها على مر الأجيال المرهونة بالكراسي الموظفة لخدمة الآخرين , على حساب مصالح الشعب الرهين؟
“وإذا الكلام مهذبا لم يقترن…بالفعل كان بضاعة الثرثار”
والثرثرة ليست عيبا بل مرضا , فالكلام لا ينير , والتنوير أسير , والنور حسير , وذوو الأقلام يتأبطون الحصير , وأكثرهم يفوز بسوء المصير.
وما لجرح بميتٍ إيلام , فالأموات تعتمر الكراسي!!
د-صادق السامرائي