الكتابة بإلغاء متلازمة المنطق وقواعد اللغة .. كتابة منزوعة البلاغة

الكتابة بإلغاء متلازمة المنطق وقواعد اللغة .. كتابة منزوعة البلاغة

ليس أمرآ محيّرآ او مفاجئآ ان لانفهم قصائد الشاعر ادونيس ولماذا الى الآن تتثاقل خطوات ترشيح جائزة نوبل اليه ؟! فهل هي برؤية مشفّرة مكدّرة , أو نرى في هذه الأيام الكثير من الأخطاء اللغوية وخاصة في التعليقات التي تكتب في حسابات التواصل الأجتماعية , او في الإعلانات أو حتى في اللوحات التعريفية الرسمية المعلقة على جدران المؤسسات الحكومية ومنها المستشفيات على الرغم من اهمية تلك المؤسسات ,
إذ لاشك فيها عددآ كبيرآ من المتعلمين بدرجات علمية وثقافية عالية , لذلك من المستغرب ان يتم تعليقها لفترة طويلة بلا إعتبار للغة وهي مختنقة بالأخطاء الإملائية ومن دون تصحيح لقواعدها النحوية ومنها المنطق والسياق اللغوي والبلاغة ؟!
والأمر المحيّر الثالث , هو قراءة نصوص تدريسية لاسيما في المناهج الدينية , خالية من الحركات التي تبيّن المعنى الذي يريده الموكل اليه مهمة تأليف المنهج , لاسيما ان البعض من المفردات المستخدمة ذات صبغة صوفية غير مألوفة لدى الطلبة ,
واخرى في قصيدة شعرية تزخر بالأخطاء النحوية وخالية من علامات الوصل والفصل , لتثير التساؤل , هل القصيدة كتبت بحذلقة لغوية أم هي فعلآ اخطاء لغوية تم اهمالها عن قصد لنزع بلاغتها من الجمل ؟! ولماذا ؟!
بالرجوع الى فكرة اقتران الشعر بالفلسفة احيانآ , نجد الشائع ادبيآ عن امرهما هو ان الفلسفة تبحث في المعضلات الأخلاقية والوجود ومفهوم الذات , وتحاول إثبات الفكرة بتفكير وتحليل منطقي وحجج منهجية ,
اما الشعر فيركز في المقام الأول على التعبير الجمالي والرقيق , واحيانآ بالرومانسية وبالصور الرمزية والإيقاع والقافية والعاطفة لإبراز التجربة , فضلآ عن نواحي أخرى , والجدير بالذكر ان كلاهما يوظفان اللغة كأداة لتوصيل المعنى والمشاعر الشخصية والأفكار المعقدة بسياقها المنطقي ,
من هنا نذكّر ان الفلسفة هي نفسها ذات تأثير كبير باللغة على الفلاسفة انفسهم , فمثلآ عُرف عن الفيلسوف نيتشه انه ذو تأثير كبير على الفلاسفة من امثال هايدجر و فيتجنشتاين و جان بول سارتر والبير كامو وميشيل فوكو وتيودور ادورنو وغيرهم ,
فلم يعمد لا هو ولا احدا من هؤلاء الى اقتطاع اجزاء من اللغة المكلفة بإيصال المعنى الذي تهدف اليه الفكرة الى القاريء , لأجل بناء فلسفي جديد كبناء قصائد اودنيس التي تحتاج الى جمهور اودنيسي لتفكيكها ,
أو كالوصفات الطبية المشفرة التي تحتاج الى مفكات لغوية وصيدليات خاصة لصرفها , أو بالشكل الذي يفعله الآن البعض من كتاب الشعر الذين يبحثون لهم عن ريادة بأسم معين ليبنوا عليه اساسآ جديدآ لما بعد اجيال الحداثة ومؤيديهم من الشعراء المعاصرين ,
الذين لم يقترفوا الى الآن هذه السماجة في الشكل الظاهري من اللغة بذرائع مقنعة , أو خلعوا عنها تلك الأجزاء المؤثرة على البلاغة واللفظ بمبررات معلنة , ولو على سبيل الإفتراض , وجود حراك او انشطة ادبية بزغت الآن على طريق حداثة اخرى مزعومة ويروّج لها اليوم ,
ومن طرافة الخطأ الذي يقع به الشاعر الذي يشغف بكتابة هذا النوع من القصائد برؤيته الخاصة التي تتشابه بالإستبدادية مع رؤية اودنيس , على الرغم من معرفته برؤية الكتابة انها لابد لا تتفق مع رؤية الناقد احيانآ أو القارئ على حد سواء , هي ان شغف الشاعر برؤية تقيم حظرآ غير مدروس واخفاء لوجوه المفردة المختلفة بالدلالة على المترجم أيضا , كما اقامت قصائد اودنيس حظرآ على نوايا تثاقلت عن منحه جائزة نوبل بسبب رؤيته المشفّرة ,
فقد يبتغي المترجم ترجمة نصّه الى الإنكليزية , ولكن بسبب اصطدامه بعُنقر المفردات الأصيلة والدخيلة التي وضعها الشاعر , متعمدآ , وغير ملونة بالحركات ولا بدلالاتها المعجمية بالهامش ,
تراه يعزف عن ذلك مثل عزوف الناقد مما يؤثر ذلك على رواج النص وقبوله بين المهتمين بالأدب وعلى بقائه حقبآ طويلة , وهو امر لا يحتاجه الكاتب بشكل عام لبلوغ العالمية التي يطمح اليها , مثلما يحتاج اصراره على كتابة قصيدة يظنها رائعة ادبية , لكنها على العكس لا احد يعرف معناها بلا قواعد نحوية سواه .
ختامآ , لابد تتوفر بالنص المكتوب عناصر التوقع والقياس بالمفردة وباللفظ عندما يكتب بقواعده النحوية التي هي اساس البلاغة ليخضع للنقد المدروس , أما بدون ذلك يصبح النص منزوع البلاغة ومربكآ للحواس ويخضع للملاحظة العابرة فحسب .

أحدث المقالات

أحدث المقالات