تذمّر: تشكى , توجّع
الملاحظ أن الكتابات التذمرية سائدة في الواقع الثقافي , وتحفل بها العديد من المواقع والصحف والواجهات الإعلامية الأخرى.
وتنم عن محدودية نظر , وإمعان بالغطرسة الذاتية , وإعتبار ما ينشره الكاتب من نصوص مقياسا لنصوص الآخرين , فهو الأحسن والأروع , وغيره دونه بكثير , وإن لم يحصل على الثناء , والتبويق الكاذب المتملق فأنه يشعر بالإنهزام والخسران , فيلجأ إلى قلمه ليبوح بما فيه من إنعكاسات إنفعالية ناجمة عن ذلك الفقدان.
ولا يُعرف لماذا لا ينظر أصحاب هذه الكتابات إلى الواقع الثقافي على أنه ميدان تتبارى فيه الإبداعات بأنواعها , ومسيرة الزمن هي التي ستحسم الفائز أو القادر على التجدد والبقاء.
فالآمة أوجدت عشرات المئات من الشعراء الذين غربلهم الزمن , وأبقى لنا منهم الذين فازوا بإستضافته وتمكنوا من عبور محطاته , ولهذا تجدنا نقرأ لزهير بن أبي سلمى , ولا نقرأ لشاعر قد ظهر قبل بضعة سنوات أو عقود , وقس على ذلك الكثير.
فلا يجوز لنا أن نحط من قدرات بعضنا , ولكل مبدع شأنه وشأوه , ومهاراته وخبراته وأفكاره ورؤاه , وما ينطوي في دياجير دنياه , ولا يمكن أن يتشابه إثنان أو يأتيان بما هو سيان.
الواقع البشري والوجود الكوني بأسره يقر بالتنوع والإختلاف , والتباري وفقا للقدرات والطاقات والقابليات والمواهب والإجتهادات , ومع جريان نهر الحياة يبقى مَن يبقى ويغطس مَن يغطس.
فلندع كل شيئ يعبّر عما فيه ويتبارى في الميادين فوق التراب , وسيأكل التراب ما يأكل , وسيلفظ ما يلفظ وكل موجود من تراب وكل إبداع من نسل التراب.
فالكثير من الإبداعات قد تولد مشوهة أو خديجة أو فيها عاهات خلقية متنوعة , ومن النادر أن يترعرع في أحضان الطبيعة سليم قويم , لأنها تأكل من كل شيئ , ويمرق من مخالبها وأنيابها مَن له حظ عظيم.
ولهذا نقرأ لشعراء المعلقات ولأبي تمام والمتنبي وأحمد شوقي أكثر مما نقرأ لغيرهم من الشعراء!!
فهل سننتخلص من المواقف التذمرية تجاه إبداعاتنا؟!!