الكبير حقاً ليس من يعلو على من حوله، بل من يرفعهم معه.
فبعض الناس يتوهم أن العظمة تُقاس بمدى انكماش الآخرين أمامه،
وأن الهيبة تُصنع من صمت الجلساء وخفوت حضورهم.
لكن تلك الهيبة المصطنعة لا تثمر إلا جفافاً في الأرواح، وتضاؤلاً في الذات.
أما الكبير الذي يستحق هذا اللقب، فهو من إذا جلست إليه شعرت بأنك أكبر مما كنت، لا لأنك تأثرت بهيبته، بل لأنك استنهضت في حضرته ما خفي من جمالك، ونضجك، وكرامتك.
هو من يفيض عليك بحضوره الروحي، وسموه الفكري، ونبله الخلقي، فيمنحك شعوراً بوزنك، ويؤكد لك أنك جدير بأن تُسمع، وتُحترم، وتُحتفى بك.
الكبير لا يمد ظله ليحجب الآخرين، بل يمد نوره ليكشف لهم كنوزهم الدفينة.
يصغي إليك وكأنك الوحيد في الكون، ويشجعك على أن تقول رأيك، لا لتوافقه، بل لتكون أنت.
هو من يحتفل بأي بادرة نضج تلوح فيك، ويمنحك شعوراً بأنك قادر على النمو، والارتقاء، والتفتح.
أما من يتصنع الكِبَر، فغاية أمره أن يُبهر، ويُخضع، ويُهيمن.
هو من يهوّن من شأن غيره ليبدو عظيماً، بينما الكبير الحقيقي يسمو بتواضعه، ويُعلي الآخرين بسخائه في الاحترام، والتحفيز، والتشجيع.
الناس في أمسّ الحاجة إلى من يوقظ فيهم الثقة، ويُشعرهم بأن أبواب المجد مشرعة، وأنهم ليسوا أقل من أن يطرقوها.
وحين نجالس من يحمل في فكره سعة، وفي قلبه نبلاً، وفي روحه سكينة، تتفجر فينا ينابيع الرؤية، وتزهر فينا المعاني، ويغدو الأمل بإمكانات التحسن غير المحدود حقيقةً نلمسها.
هؤلاء هم الكبار الذين يُكبروننا، لا أولئك الذين يتكبرون علينا.