قيل سابقا “اكذب اكذب حتى يصدقك الناس..”، كلمات دلالتها واضحة ولا يمكن تفسيرها بعيدا عن محاولات استغلال “عباد الله” والتعامل معهم بطريقة “تجهيل العقول” لتمرير نوايا مخطط لها سابقا، كما يفعل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وفريقه الذي قد يكون اتخذ من كلمات تلك المقولة القديمة شعارا لبرنامجه الحكومي وتحركاته التي تروج لها العشرات من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لجنود جيشه الالكتروني بعنوان مكافحة الفساد.
لكن تلك التحركات حقيقتها لا تمثل سوى فصل “هزلي” ضمن مسرحية كوميديا العملية السياسية التي تعودنا على “خيبات الامل” فيها منذ اكثر من 17 عاما، ليضيف لها الكاظمي عنوانا اخر من “الكذب” المكشوف الذي وصل لدرجة لا يملك تخيلها سابقا، ولعل حملته الاخيرة التي لم نسمع عنها في بيانات حكومية رسمية او على لسان المتحدث باسم رئيس مجلس الوزراء واقتصرت على اعلانات مدفوعة الثمن في مواقع (الفيسبوك وتويتر) لتكون مادة دسمة تتناقلها وسائل الاعلام المختلفة، دون التأكد من حقيقتها، ومنها قضية اعتقال مدير المصرف الزراعي ونجله وثمانية موظفين بتهمة الفساد، لكن بعد التواصل مع عائلة مدير المصرف والموظفين اتضح بان المدير ونجله والموظفين الثمانية اختفوا قبل ثمانية ايام من اعلان اعتقالهم، حينما استدعاهم مكتب رئيس الوزراء لاجتماع طارئ، لكنهم لم يعودوا لمنازلهم، لتتحرك عوائلهم بخطوات رسمية بدايتها تقديم بلاغ لمراكز الشرطة وهيئة النزاهة عن اختفائهم بطريقة “تثير الكثير من علامات الاستفهام”، وعلى الرغم من ذلك لم يتحرك مكتب رئيس الوزراء لابلاغ عوائلهم، في تصرف لا يمكن وصفه بغير “اختطاف حكومي” على طريق جهاز الامن في عهد النظام السابق حينما كان “يختطف” الاشخاص من مقار عملهم او منازلهم او الشوارع وبعدها تلفق لهم العديد من التهم.
لست هنا للدفاع عن مدير المصرف الزراعي او تبرئته، لكن لا يمكن ان تبنى الدولة على سياسة الاختطاف والتغييب بهذه الطريقة، فمن يسعى للحفاظ على هيبة الدولة، كما يتحدث الكاظمي في كل مناسبة عليه ان يكون اول الملتزمين بشروط تطبيقها، فالمتهم بالفساد يجب ان يترك امره للقضاء وهو من يحدد مصيره، وليس بطريقة مشابهة لما كانت تقوم به محكمة الثورة ايام رئيسها عواد البندر التي كانت تصدر احكامها من دون محاكمة او امر قضائي باعتقال المتهمين، لتستمر بعدها “دعاية” مطاردة الفاسدين حينما اعلن عبر منصات التواصل الاجتماعي عن اعتقال ست شخصيات متورطة بالفساد، لكن ماوصلنا منها فقط مدير شركة “كي كارد” وقبله مدير هيئة التقاعد احمد الساعدي، الذي اثارت قضيته العديد من التساؤلات عن اسباب عدم اعتقال شركاء الساعدي في العديد من القضايا ومنها “التامين الصحي” للمتقاعدين الذ تورطت فيه جهات سياسية وشركة “غلوب مد” اللبنانية من خلال فرعها الوهمي في بلادنا، في حين تجاهل الكاظمي وفريقه، مدير شركة “ماستر كارد النخيل” محمد الجرجفجي، المتهم بالقضايا ذاتها التي تتعلق بمدير شركة “كي كارد”، لكن الجرجفجي الذي يملك ايضا شركة زين للاتصالات لم نسمع باسمه او حتى ذكره ضمن قوائم الممنوعين من السفر، لاسباب لا يعلمها غير فريق الكاظمي والعاملين بمكتبه.
واستمرارا لفصول المسرحية “الهزلية” يحاول الكاظمي الانتقال الى “ضفة” المتظاهرين وكسب ودهم من خلال الايفاء بتعهداته في محاسبة قتلة المحتجين، فسارع لاصدار كتاب يتضمن توجيها بمنع سفر الفريق جميل الشمري المعروف بلقب “جزار الناصرية” ردا على كتاب موقع باسم وزير الدفاع جمعة عناد يمنح خلالها الشمري اجازة للعلاج خارج البلاد، لكن.. للاسف الفصل الهزلي كشف امره بسرعة كبيرة، حينما اتضح بان الاجازة موقعة بتاريخ الثاني عشر من ايلول، وقرار رئيس الوزراء بالمنع صدر يوم التاسع عشر من شهر ايلول، وهذا يعني ان الفارق بين الموافقة على الاجازة ومنع السفر سبعة ايام، وبمنطق العقل، تلك الفترة كافية لوصول الشمري الى ابعد نقطة في القطب الشمالي، وعلى الرغم من هذه “الفضيحة” لم يكلف الكاظمي نفسه بمحاسبة وزير الدفاع، ومساءلته عن كيفية منح اجازة وصفها المتحدث باسم الكاظمي “بالوهمية” لشخص مطلوب للقضاء بتهمة قتل المتظاهرين وفق مذكرة صادرة بتاريخ كانون الاول من العام 2019، لكن في نهاية الفصل وقبل ان يسدل الستار اتضح بان الفريق جميل الشمري خارج البلاد منذ اشهر عدة، في رسالة واضحة على تمسك رئيس الوزراء باستخدام منطق “التجهيل” في التعامل مع المواطنين، ناهيك عن أن منع الشمري من السفر قرار قضائي سابق يعود الى كانون الاول 2019، وليس فتحا جديدا من قبل رئيس الحكومة.
الخلاصة، ان اسلوب رئيس الوزراء قاده في النهاية لازمة حقيقية كشفت عن حجم “التخبط” الذي تشهده الحكومة حينما اختطف مسلحون الناشط سجاد العراقي في مدينة الناصرية ونقلوه لمنطقة معلومة لدى القوات الامنية التي فرضت عليها طوقا امنيا، لكنها عجزت عن اقتحامها لتحرير سجاد، بحجة الطابع العشائري الذي قد يحول القضية الى نزاع مسلح يصعب السيطرة عليه، ليدفع الكاظمي بجهاز مكافحة الارهاب الى الناصرية في محاولة “لحل الازمة”، على الرغم من ان معرفتها بهوية الخاطف والجهة التي ينتمي لها، في وقت ننتظر اعلان تحرير سجاد العراقي واعتقال الخاطفين.. لابد من طرح تساؤل عن شعار الكاظمي الجديد، وهل سيكون عنوانه على طريقة المثل الشعبي “اقبض من دبش..”؟