قمة (التعاون والشراكة) كما سماها مصطفى الكاظمي، لجمع كل الاعداء والمنافسين وقادة الحرب بالوكالة على الساحة العراقية، لن تكن أكثر من فقاعة إعلامية، لتسويق صورة الكاظمي من اجل احراز نقاط لإعادة إنتاجه في المشهد السياسي بعد الانتخابات المبكرة المزمع تنظيمها في ١٠ تشرين الأول القادم.
ما يميز الكاظمي عن سلفه من رؤساء الوزراء في العراق الذين تفننوا بحرفة مهنة الكذب، سعيه المتواصل في إرساء صناعة الاوهام، بعد حرمان العراق من تأهيل أية مصانع ومعامل بقرار من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ غزو واحتلال العراق، والذين أشادوا بالكاظمي وورقته البيضاء عند زيارته الى واشنطن مؤخرا. فالكاظمي يحاول إرساء تلك الصناعة محل الصناعات الثقيلة التي كان يمتلكها العراق مثل البتروكيماويات والحديد والصلب ومجمع الاسكندرية لصناعة السيارات والاجهزة الدقيقة ..الخ,
على العموم لنبقى في موضوعنا، “قمة التعاون والشراكة”، التي ينفق الكاظمي الأموال عليها مما جمعه من تخفيض العملة العراقية على حساب العمال والموظفين وكل محرومي المجتمع. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذه القمة (التعاون والشراكة) التي يرفع لوائها لا تغدو أكثر من فقاعة اعلامية؟ لأنه ببساطة بالنسبة الى اي شخص او مراقب على اطلاع بسيط عن الوضع العراقي، فلا يمكن الاستنتاج حتى في منامه او خياله الصورة التي يرسمها الكاظمي عن دور العراق الممكن ان يلعبه في المعادلة السياسية الاقليمية والدولية. ان شر المصيبة ما يضحك مثلما يقول لنا المثل، والمصيبة هناك تكمن بأن العراق لا يمتلك اية أسس سياسية واقتصادية وعسكرية كي يكون بيضة القبان ويخلق التوازنات في المنطقة كما يحاول الكاظمي ترويجه عن دور العراق. فالتشرذم السياسي في الطبقة السياسية هو القوة المحركة للوضع السياسي ، حيث تتقاذفه صراعات النفوذ الاقليمي والدولي، ولا يمتلك حتى مقومات دولة كجهاز موحد وله هوية سياسية، ولا يمتلك اقتصادا على الاقل مثل مصر ولا نقل مثل اقتصاديات جي ٢٠ (البلدان الصناعية العشرين في العالم)، واخيرا لا يمتلك اية قدرة عسكرية تردع او تخشى منها الدول التي يستضيفها في القمة المذكورة، فهو أي العراق ساحة لتصفية حسابات الخصوم السياسيين للدول المحيطة به، فالجيش التركي يصول ويجول ويتوغل ويرسخ القواعد العسكرية في المناطق الشمالية، وطائراته المسيرة وغير المسيرة تقصف كل يوم وتدمر قرى كردستان وتردي العشرات من الابرياء المدنيين قتلى بحجة مطاردة حزب العمال، اما إيران تغتال معارضيها سواء مقتديا بتركيا عبر القصف بالطائرات والمدفعية او عبر فرق الموت في كردستان العراق، وكان اخرها اغتيال احد نشطاء المعارضة الايرانية في أحد فنادق اربيل، اما تصفيته لكل صوت معارض للنفوذ الايراني في جميع مدن الجنوب وبغداد فحدث ولا حرج. هذا ناهيك عن قطع المياه من الطرفين الايراني والتركي، بينما الكاظمي يندد بقصف تركيا، في حين يغض الطرف عن عمليات ايران ارضاءً لتحالف ميليشيات فتح في البرلمان.
ولا تقتصر صناعة الأوهام عند الكاظمي عن دور العراق وحكومته التي لا تعترف بها مليشيات الحشد الشعبي، ومرغت انفها بالتراب في عقر دارها في المنطقة الخضراء، بل يحاول عبثا في صنع قطع غيار لترسيخ تلك الصناعة، فمرة يسوق نفسه بأنه منع الحرب الاهلية في العراق، في الوقت الذي يدرك هو أكثر من غيره ان تنازلاته أمام المليشيات الموالية للجمهورية الاسلامية في ايران هي التي منعت الحرب الاهلية، فقد غض الطرف عن كل الجرائم التي اقترفتها تلك المليشيات من عمليات الاختطاف والتصفيات الجسدية والفساد والسرقة والنهب. لقد ترك الحبل على الغارب عبر اللامبالاة تجاه عروضها العسكرية، ومع هذا يتحدث لنا انه منع الحرب الاهلية، كي يتوج نفسه بطلا للسلام، في حين انه لم يتجاوز دوره الوسيط الفاشل وغير الموثوق به لا من قبل الجماهير التي توهمت به واكتوت بنار المليشيات ولا بالطرف الدولي الذي دعمه وسانده مثل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في المنطقة ولا بالمليشيات التي أوصلته الى سدة السلطة. ما فعله حقا زياراته التفقدية لعوائل ضحايا المليشيات التي كان يطيب خاطرهم وبكلمات واقوال لا يحسب عليها ضرائب، واخيرا عندما تواجد في مسرحية إلقاء القبض على مدير مكتب حزب الدعوة الذي اغتال مدير بلدية كربلاء الذي ينتمي للتيار الصدري بحجة إنهاء التجاوزات على اراضي الدولة، ووعد وهدد، إلا أن السر وراء قوة تهديده كان الاحتماء خلف مليشيات التيار الصدري، لأن عملية القتل حدثت نتيجة اختلاف أو نزاع على ملكية أرض بين الدعوة والتيار الصدري، الا ان الكاظمي غلفه بهالة اعلامية كبيرة وأظهر نفسه رامبو العملية واعادة الحق الى اصحابه وهو الدولة، ولكن بنسخة واقعية وبشكلها الكاريكاتوري.
وكي تكتمل معامل صناعة الأوهام عند الكاظمي، أتحفنا قبل يومين بإطلاق تهديد صريح للشعب العراقي بجميع اقسامه في حديثه عن الانتخابات، فقال عليكم الخيار اما الاستقرار او الفوضى، اي انه يرد على عزوف الناس واتساع رقعة مساحة رفض الانتخابات، بتهديدهم كي يذهبوا الى الانتخابات التي تورط بها، وورط حتى من يقف ورائه مثل امريكا والامم المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والامارات. فالكاظمي يتحدث لنا عن الفوضى ويقصد بها الحرب الاهلية لو لم نذهب الى الانتخابات، وكأنه لو ذهبنا فستكون النتيجة لصالحه. في حين جربنا كل الانتخابات فالنتيجة كانت لصالح اللصوص والمليشيات والفاسدين بما فيهم الكاظمي نفسه وشلته التي سنت الورقة البيضاء. وكأنه يقول لنا الكاظمي اذا أُجريت الانتخابات، وكانت النتيجة لصالح تياره، فلن تعم الفوضى في العراق. اليس هذا ايضا ضربا من الوهم الذي يحاول الكاظمي من تسويقه.
في العراق وبخلاف كل بلدان العالم، وخاصة بعد الغزو والاحتلال، لا وجود لبطل قومي يعاد انتخابه او اختياره او يضاف الى رصيده الانتخابي مهما بلغت انجازاته، وبنفس المعيار لا يأخذ بنظر الاعتبار الفاشلين والذين لا رصيد لهم اجتماعيا او سياسيا كي يتوج الى مناصب عليا في المؤسسات الحكومية بما فيها رئاسة الوزراء. فحيدر العبادي على سبيل المثال سجل انتصاراته على داعش باسمه، وانتزع مدينة كركوك من القوميين الكرد، ونفخ الروح الشوفينية القومية من جديد في المجتمع عبر إعلان حربه على استفتاء جماهير كردستان، ليكن الشخص الثاني بعد صدام حسين في تبوء ذلك المركز عندما قام بحملته الانفال في تدمير ٣٠٠٠ قرية كردية وتغييب ١٨٠ الف انسان من الوجود لانهم ولدوا ولم ينطقوا بالعربية، ومع هذا لم يعاد اي العبادي اختياره لرئاسة الوزراء، واصبح مكانته بعد انتخابات ايار ٢٠١٨ مثل مكانة نوري المالكي الذي سلم ثلث مساحة العراق الى داعش دون قتال. وبنفس المعيار تم اختيار عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء الذي لقب ب(حرامي الزوية) لسطو حمايته على مصرف الزوية في بغداد. أي بعبارة اخرى ان صفقات الكاظمي مع السعودية والإمارات وزياراته الى مصر والاردن والكويت واتفاقيته مع البيت الأبيض ، ومؤتمره التعاون والشراكة لن ينقله سوى الى تسجيل اسمه في سجل المحاربين القدماء الفاشلين. فبمجرد العودة البسيطة الى مؤتمر الاعمار في الكويت بعيد الانتهاء من سيناريو داعش عام ٢٠١٨، فلم تعط أي دولة مشاركة منحة للعراق الا ملاليم كما يقال باللهجة المصرية بسبب عدم الثقة بمؤسساته الحكومية، بالرغم من ظهور العبادي في المؤتمر أقرب الى قائد صليبي مثل ريتشارد قلب الاسد اكثر مما عليه صلاح الدين الايوبي، حيث دون انتصاراته في سجل بعنوان البطل الذي هزم داعش واسترد ما خسره المالكي، فما بالك اليوم أن يستطيع الكاظمي الذي لا يمتلك حتى سلطة على المنطقة الخضراء التي يقبع فيها، فكيف له أن يكون بيضة قبان بين قادة تصدير الارهاب والحرب بالوكالة في العراق!
إن المشكلة لا تكمن بالكاظمي نفسه، بل تكمن في سياسة الولايات المتحدة الامريكية التي وقفت دائما خلف قوى واحزاب وشخصيات جاءت من خلف التاريخ مثل علاوي والمالكي والعبادي واخيرا بطل صناعة الاوهام وهو الكاظمي.
أما السؤال الاخر المطروح، ألا تعرف الحكومات التي لبت دعوة المشاركة بأن العراق ليس مؤهل ان يلعب الدور الذي رسمه الكاظمي له، والرد؛ نعم تعرف ولكن لا تريد هذه الحكومات اعطاء اي فرصة حتى لو كانت وهمية ان تحل الآخرين محلها و تملأ فراغها. وكل واحد من تلك الدول متورطة بما حدث ويحدث من جرائم في العراق بشكل او بأخر منذ الحرب العراقية-الايرانية ومرورا بحرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي وانتهاء بغزوه واحتلاله، عبر دعم الجماعات والمليشيات او عبر قطع المياه وعبث جيوشها، وتحاول تقديم براءة ذمة عبر الإعلام المأجور، وتسويق نفسها بأنه تريد الازدهار والخير والسلام لجماهير العراق. اليس في هذا احترافية قل نظيرها في صناعة الأوهام لتصديرها للخارج بعد إتمام الاكتفاء الذاتي في داخل العراق.