23 ديسمبر، 2024 5:17 ص

الكاظمي بين فرص النجاح وتحديات الاخفاق

الكاظمي بين فرص النجاح وتحديات الاخفاق

لاول وهلة، ربما يؤشر مشهد تكليف رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة الجديدة الى سهولة المسار الذي سوف يسلكه ويتحرك فيه لاتمام المهمة الثقيلة خلال المدة الدستورية المقررة بثلاثين يوما.

كان مشهد تكليف محمد توفيق علاوي فقيرا، فلم يكن هناك لاحضورا سياسيا ولا حتى بروتوكوليا، رغم انه كان مرشحا من قبل عدد من القوى السياسية الرئيسية والكبيرة وغياب الاعتراض الواضح عليه، ولعل ما اثار اللغط في ذلك المشهد هو هوية الشخص الذي انعكست صورته في الواجهة الزجاجية للمكتبة الصغيرة في القاعة التي جمعت رئيس الجمهورية برهم صالح بتوفيق علاوي، وقد قيل ان ذلك الشخص هو مدير مكتب رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.

بينما كان مشهد تكليف عدنان الزرفي جدليا الى حد كبير، لان من حضروا فيه من السياسيين والنواب كانوا من الدرجة الثانية والثالثة، ولان موجة اعتراضات وتحفظات اثيرت على طريقة تكليف الزرفي وعلى شخصه، فأن اغلب من حضروا راحوا يبررون ذلك الحضور ، ويؤكدون انه كان حضورا بروتوكوليا لاعلاقة له بالموقف من خيار التكليف، هذا في ذات الوقت صدرت تصريحات رسمية من بعض القوى التي بدت وكأنها مؤيدة وداعمة للزرفي، بأنها ليست كذلك، وبالفعل فأن الكيان السياسي الوحيد الذي افصح عن موقفه الداعم للاخير هو تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.

ما اختلف في مشهد تكليف الكاظمي، هو ان الحضور النوعي كان لافتا ومتميزا على الصعيدين الرسمي والسياسي، فعلى الصعيد الرسمي حضر الى جانب رئيس الجمهورية، كل من رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان، والقاضي مدحت المحمود رئيس المحكمة الاتحادية العليا، وعلى الصعيد السياسي-الحزبي، حضرت مراسم التكليف شخصيات سياسية رفيعة المستوى تمثل مختلف المكونات والعناوين، كرئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس تحالف النصر حيدر العبادي، ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، ورئيس تحالف المحور الوطني خميس الخنجر، والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني فؤاد حسين، والقيادي في حزب الدعوة الاسلامية الشيخ عبد الحليم الزهيري، ورئيس الجبهة التركمانية ارشد الصالحي، ويونادم كنا رئيس الحركة الديمقراطي الاشورية، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، فضلا عن حضور المبعوثة الاممية في العراق جينين بلاسخارت.

ولاشك ان ذلك الزخم السياسي غير المسبوق، ربما يساهم في تعبيد الطريق امام الكاظمي لانجاز مهمة تشكيل الحكومة خلال المهلة الدستورية المحددة بثلاثين يوما، مضافا الى ذلك فأن رسائل الدعم والتأييد التي جاءته من واشنطن وطهران تبدو مشجعة الى حد ما.

ففي الوقت الذي قال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، “ان الكاظمي أثبت في وظائفه السابقة أنّه وطني وشخص كفوء”، واعرب عن امله في “أن يتمكن سريعاً من تشكيل حكومة قوية ومستقلّة”، اطلق مسؤولون ايرانيون كبار تصريحات ايجابية بهذا الشأن، اكد المتحدث بأسم الخارجية الايرانية عباس موسوي، ان بلاده “اذ تتمنى النجاح والتوفيق لمصطفى الكاظمي، تأمل في ان ينجح بمهمته بتشكيل الحكومة الجديدة وتلبية تطلعات الشعب والمرجعية الدينية في العراق، وايجاد عراق موحد ومستقر يتبوأ مكانته المهمة على المستويين الاقليمي والدولي”، مؤكدا، “ان تناغم وتضامن جميع الاطياف المختلفة والاحزاب السياسية والشخصيات العراقية البارزة بمن فيهم السيد عدنان الزرفي لعب ويلعب دورا مهما في تحقيق هذا الهدف واستمراره”، هذا في الوقت الذي اوضح السفير الايراني في العراق ايرج مسجدي، تعليقا على اختيار الكاظمي لرئاسة الحكومة الجديدة، “ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تخضع لمقررات وقوانين العراق، وهي تحترم النظام السياسي العراقي، ومن ينتخب رئيساً للوزراء في العملية القانونية ويحظى بثقة البرلمان العراقي، فإننا نحترمه ونقدم المساعدة والدعم له”.

وفضلا عن ذلك فأن اوساط مطلعة تؤكد ان رئيس الوزراء العراقي المكلف تلقى اتصالات من اطراف عربية واقليمية ودولية عديدة تؤكد دعمها ومساندته لها.

وارتباطا بذلك، فأن هناك من يعتقد ان الكاظمي بحكم طبيعة شخصيته وموقعه على رأس جهاز المخابرات لعدة اعوام، يمكن ان ينجح في تخفيف حدة الاحتقان وتقريب وجهات النظر والمواقف بين الفرقاء الدوليين والاقليميين، وبالتالي يقلل من الانعكاسات والارتدادات السلبية للصراعات السياسية والعسكرية على العراق.

وفي مقابل الافاق الايجابية بطريق الكاظمي، فأن هناك من يرى ان المعوقات والعراقيل والمصاعب التي سيواجهها لن تكون قليلة، وهي ربما تكشف عن مدى حنكته في ادارة وتوجيه التقاطعات والتناقضات الداخلية والخارجية، بما يساعده في تنفيذ برنامجه الحكومي وترك بصمات واضحة في الملفات والقضايا الحساسة والمهمة، وكذلك امتصاص واحتواء المواقف الناقدة والرافضة له.

فهو-أي الكاظمي-اذا اراد ان يتجنب الوقوع بأخطاء وهفوات سلفيه علاوي والزرفي، فينبغي عليه ان يراعي حقائق الواقع السياسي ولايقفز عليها، او بعبارة اخرى يضع في حسبانه اشتراطات ومطالب القوى الحزبية الداعمة له من مختلف المكونات، وهذا قد يعيد انتاج الاخطاء والسلبيات التي حفلت بها المراحل السابقة من جانب، ومن جانب اخر، يبعده عن دائرة توجيهات المرجعية الدينية ومطالب ساحات التظاهر السلمي.

فهناك اليوم حديث في بعض كواليس السياسة مفاده، انه في عالم السياسة لاشيء بدون ثمن، ومن يدعم ويساند ويؤيد لابد انه يبحث عن ثمن ولابد ان تكون لديه اشتراطات ومطاليب مباشرة او غير مباشرة، البعض منها سيصطدم بها الكاظمي وهو يخوض عملية اختيار الاشخاص لتولي الحقائب الوزارية والمواقع المتقدمة الاخرى، والبعض الاخر منها سيواجهها بعد نيل حكومته الثقة وشروعها بالعمل، وبالتالي فأن الهيمنة الحزبية للقوى السياسية-لاسيما الكبيرة- من مختلف المكونات ستكون حاضرة، مثلما كانت حاضرة بشخوصها في مراسم التكليف، وهو ما يعني بصورة او بأخرى غياب او تغييب او القفز على دعوات وتوجيهات المرجعية الدينية ومطالب الحراك الجماهيري، خصوصا في ظل غياب منبر الجمعة ومعه حراك الشارع بسبب وباء كورونا.

لعل النقطة المحورية في نجاح الكاظمي بمهمته الثقيلة تتمثل في عدم الركون والخضوع لاشتراطات الاحزاب، وايلاء اكبر الاهتمام لتوجيهات المرجعية ومطالب ساحات التظاهر حتى وان غاب صوتهما لبعض الوقت.

بيد ان الامور لن تكون بهذه البساطة نظرا لتداخل وتشابك الملفات، وتفاقم المخاطر والتحديات، فالمطلوب من رئيس الوزراء المكلف ان يهيأ لانتخابات برلمانية مبكرة خلال فترة زمنية لاتتجاوز عام واحد، وهذا ما يبدو غير ممكنا، ليس لاسباب سياسية او فنية، وانما نتيجة وباء كورونا الذي لايعلم احد متى سيختفي وينتهي، والمطلوب منه حصر السلاح بيد الدولة، وهذا معناه تجريد فصائل مسلحة ساهمت بقتال تنظيم داعش الارهابي من عناصر قوتها وحضورها وتأثيرها، وهذا من الصعب جدا تحقيقه وفق معطيات وحقائق الواقع القائم، والمطلوب منه انهاء الوجود الاجنبي من البلاد-وتحديدا الاميركي-وهذا ما لم تلح بشأنه اي بوادر في الافق، واذا اريد له ان يتحقق، فبحكم عوامل خارجة عن نطاق قدرات وامكانيات وسلطات اي رئيس حكومة، علما ان التوجه الاميركي الظاهر، يتمثل بأعادة هيكلة وانتشار التواجد العسكري بما يجنب القوات الاميركية في العراق صواريخ “المقاومة”، والاكثر من ذلك مطلوب من الكاظمي ان يقلل من الظلال والاثار الثقيلة لوباء كورونا والانخفاض الحاد بأسعار النفط على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والحياتي العام للبلاد.

وكل ذلك في حال لم يقع الكاظمي في فخ فشل مهمة التكليف، كما وقع فيه علاوي والزرفي، فالصورة وان بدت ايجابية ومتفاءلة في باديء الامر، الا ان الوانها ومعالمها وملامحها وخطوطها لم تكتمل حتى الان.

—————————