القوي المُفترس يريد صيدا سهلا , ولكي يكون له ذلك فأنه يستثمر في الصراعات القائمة بين فرائسه , فوحوش الغاب تتحين فرص نشوب الصراعات ما بين فحول القطعان المُستهدفة , فترقبها تتناطح وتتصارع حتى يدب التعب والإرهاق عليها فتصول نحوها , وتقبض على أعناقها وتفترسها وقد صار لحمها حارا وطازجا ومطعما بإفرازات غددها الصماء.
ذلك أن الصراع يوفر الجهد ويُنهك الهدف ويجعله أقرب إلى الإستسلام والإذعان للقوي المُفترس , بينما لو لم يكن في صراع فأنه يمتلك قوته ويجد عنده إرادة مقاومة وتحدي وخلاص , وهذا القانون ينطبق على القوى المتفاعلة في عالم السياسة والهيمنة , والتسلط الإمبراطوري والتفوقي في عصرنا المتفجر القدرات والطاقات.
ولهذا تجد القوى الفاعلة تستثمر في تأجيج الصراعات وإدامتها , ودفع الأهداف المرجوة إليها بلا عناء منها أو بذل جهد , فهي تذكي التحارب والتقاتل والتعادي ما بين الشعوب والمجتمعات وتترقب , وتعطي هذا ما يؤمن ديمومة تصارعه وتعطي ذك مثلما أعطت خصمه , وتبقى تتفرج متحينة فرص الإنقضاض والإمتلاك والقبض على المصير.
وبما أن القوى الفاعلة تتنعم بالإفتراس السهل اللذيذ , فأن الصراعات ستتواصل وتتطور ولا يمكن لها أن تستكين أو تهدأ , لأن غياب الصراعات يتسبب بخسائر كبيرة للقوى المنتفعة منها والمستثمرة في ميادينها المهلكة.
فكيف لقوة تجد أن أهدافها تتحقق بمفردات وعناصر أهدافها , أن تسعى لمنع ذلك أو إنهائه , إن المنطق السلوكي يقول أن من واجبها أن تصب على النار زيتا وأن توفر المزيد من الحطب , لكي يدوم العطب وتتوافد الأهداف إليها متوسلة ومتأملة بأن طوق النجاة يكون بلرضوخ والتبعية والإستسلام المطلق لإرادة المُفترس الفتاك.
وما دامت بعض المجتمعات قد إنزلقت في دوامة التصارعات المروعة وأدمنت عليها , فأنها قد وفرت الجهد والمال للمفترسين , وأنهم سينشطون في إدامتها وتوالدها وتصاعدها لكي يكون جني الثمار مستمرا بلا توقف , والربح المدرار وفيرا ومنعشا.
ولا يمكن لقوة أن تشيح الطرف عن مجتمعات تتصارع , لأن في ذلك أعظم فرص الإفتراس المتاحة لوحوش الدنيا الآدمية , والذي يتوهم بأن الدول لا تفترس بعضها فأنه من المُغفلين المآليس الذين يتمتعون ببقلٍ عظيم!!
فلكي تنجو المجتمعات الضعيفة من الإفتراس عليها أن توقف تصارعاتها , وتهتدي بمهارات القطيع الدفاعية التي تمنع المُفترسات الصائلة من تحقيق أهدافها.
فهل سنتعلم من القطيع مهارات الإتحاد والتراص والتماسك المنيع؟!!