10 أبريل، 2024 11:30 ص
Search
Close this search box.

القيادة الادارية …

Facebook
Twitter
LinkedIn

القيادة، تنشأ عادة في الانسان منذ ولادته، والقاعدة العامة، هي ان القادة يولدون قادة، وان بعض الرجال يصنعون القيادة، وان آخرين من الرجال تفرض عليهم القيادة، ويجب ان يطلق على هؤلاء الاخيرين لقب رؤوساء وليس قادة، لانهم مفروضون على الجماعة ولا يتعاونون معها ولا يغيرون من اتجاهاتها وسلوكياتها.
وتتكون القيادة الصالحة من جماعة من الناس لها هدف واحد مشترك تسعى لتحقيقه. ويكون ذكاء القادة اعلى درجة من متوسط ذكاء الجماعة، وعندهم الثقة بانفسهم والقدرة على التأثير في الآخرين.
والقادة الصالحون يكونون ناضجين عقلياً، ومستقرين عاطفياً، وحكماء في تصرفاتهم ومعاملاتهم لرؤوسائهم ومرؤوسيهم وزملائهم وافراد الجمهور، ولديهم الاستعداد لتحمل المسؤولية او التخلي عنها اذا دعت الحاجة لذلك ، لمن هم اكفأ منهم من اعضاء الجماعة.
مناسبة كلامي هذا متأتي من أمر بات ضرورياً في ايامنا هذه، الا وهو الاصلاح الاداري الشامل، وترسيخ القواعد المؤسسية للدولة، وايصال القيادات الصالحة الى مواقع القرار، فنحن اليوم احوج ما نكون الى قادة اداريين ــــ مدراء دوائر- مؤهلين اكفاء على رأس العمل اكثر من اي وقت مضى. بحيث يدركون احتياجات دوائرهم وموظفيهم والمؤسسة التي ينتقدون سياساتها، بصفتهم القادة الاداريين المسؤولين عن خلق القدرة على تطوير العمل الاداري في دوائرهم ومؤسساتهم بسرعة وكفاءة وفاعلية وبعقول متفتحة على التغيير السريع والتطوير وبصفتهم المسؤولين عن وضع البرامج التطويرية التي تكفل تقويم السلوك الوظيفي للعاملين معهم، وتوضيح القيم الاخلاقية والسلوكية، وغرسها في نفوسهم، وبث روح الولاء والانتماء للوطن وللقيادة السياسية وللمؤسسات الحكومية وترسيخ مبادئ الامانة والشرف والنزاهة والاستقامة والاخلاص في العمل والحرص على بقاء معنوياتهم عالية.
لا بد ان نشير، الى ان حكوماتنا المتعاقبة، قد تغاضت عن الأخذ بالقاعدة الاولى الرئيسية للتطوير الاداري، الا وهي ان نجاح ذلك لا يتم الا بأختيار المسؤول الاداري القدوة الذي يضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، ويتمتع بمواصفات موضوعية بعيدة كل البعد عن الاعتبارات الذاتية.
والقائد الاداري الكفء، هو الانسان المستقيم العادل، والنزيه المنصف، والانضباطي الذي يسمو فوق صغائر الامور، ويعتمد في قراراته الدقة والحيادية، وهو الصادق مع نفسه ومع غيره، المخلص في عمله الذي لا يلجأ الى استغلال منصبه في محاباة اقربائه واصدقائه على حساب الآخرين وهو الامين الذي يحافظ على المال العام وكأنه يحافظ على ابنائه، ويعمل على ضبط انفاق اموال الدولة، ويضع حداً لأي تهاون او تقصير في اداء العمل او انحراف عن السلوك القويم.
والقائد الاداري او المسؤول الاداري القدوة، هو صاحب الضمير الحي والفكر المتميز الذي يجعل من مؤسسته خلية عمل زاخرة بالحركة والنشاط والانتاج، لا مرتعاً لاحتساء القهوة وترديد الاشاعات واستغابة الآخرين كما هو واقع الحال في بعض المرافق العامة.
وهو الذي يعمل مع موظفيه بروح الفريق الواحد ويشترك معهم في العمل والسهر وتحمل المسؤولية، ويطبق سياسة الابواب المفتوحة، فيجعل ابواب مكتبه مشرعة امام العاملين معه لتسيير شؤون العمل دونما ابطاء او تأخير، وللاستماع الى احتياجات المراجعين والعمل على تلبية طلباتهم وازالة اسباب تظلماتهم في حدود القانون والنظام، وهو الذي لا يتمرس خلف مكتبه ويضع حاجزاً بينه وبينهم وهو الذي ينزل الى الميدان اذا كانت طبيعة عمله تقتضي ذلك، لمتابعة المسؤوليات على ارض الواقع لتطوير مسار الانتاج ومستوى الخدمات التي تقدم للمواطنين.
وللقائد الاداري، هو الذي يعطي كل ذي حق حقه، ولا يتعدى على حقوق الآخرين، وهو الذي يرعى اصحاب الكفاءات والخبرات ويشركهم في مراحل التخطيط والتنفيذ والتطوير، ويساعد على تهيئة الصف الثاني والثالث من القيادات الادارية حرصاً منه على استمرارية النهج المؤسس.
ومن اهم مسؤوليات القائد الاداري، العمل على تحديث العمليات الادارية وتطويرها نحو الاحسن والتخلص من التشريعات والاوامر الادارية الجامدة اما بتعديلها او استبدالها بتشريعات حديثة تتناسب مع المرحلة الجديدة من الانطلاق نحو التطوير الاداري.
والتطوير الاداري يتطلب الاهتمام بدراسة العمليات المتصلة بمصالح الجمهور وتحليلها وتبسيطها وانجازها بسرعة ودقة وفاعلية دون تعقيد او تأخير او تباطؤ قد يكون ناتجاً احياناً عن تمسك بعض كبار المسؤولين للبيروقراطية السلبية التي تتسم بالانانية والاستبدادية وروح الاستعلاء وقتل الدوافع الانسانية نحو المبادرة والابتكار والابداع وعدم تقديم الصالح العام على المصالح الشخصية.
ان عدم توفر جميع متطلبات الوظائف العليا في شاغليها ونقص كفاياتهم العلمية ومهاراتهم العملية وخبراتهم الادارية ومؤهلاتهم المهنية والحرفية هي التي يجب ان تدعو الحكومة ان كانت حريصة كل الحرص على مصالح الوطن والشعب الى التوجيه دوماً نحو التطوير الاداري والحث على الاهتمام به في الميادين الاقتصادية والصناعية والزراعية والتعليمية والثقافية والصحية والجتماعية وغيرها.. وتبسيط الاجراءات وتقديم أحسن الخدمات واسرعها.
ولا يقتصر دور هؤلاء القادة الاداريين على مجرد التأكد من قيام الدوائر التي يعملون فيها بالواجبات والاختصاصات المرسومة لها في القوانين والانظمة بل يتعدى ذلك الى تزويد المرؤوسين بالدوافع الانسانية والحوافز المادية والمعنوية والنفسية والاجتماعية التي تبعث النشاط فيهم وتخلق الحماسة في نفوسهم نحو العمل الجاد وتجعلهم يؤمنون بالعمل واهميته وبأهميتهم ايضاً وبأنهم احرار في التعبير عن ارائهم دون خوف او وجل وان رؤوسائهم يتفهمون رغباتهم وتطلعاتهم ويدركون مشاكلهم ويحسون بأحاسيسهم ومشاعرهم، وبذلك يضمنون تعاونهم الاختياري.
ان الصفات المهمة التي يجب ان تتوفر في المدراء العامين او القادة الاداريين اليوم.. ان تكون عندهم الحساسية بتقديس الصالح العام وتقديمه على اي اعتبار آخر وان تكون عندهم القدرة على جعل مرؤوسيهم ينفذون اوامرهم لصالح العمل عن رضى وتطوع مع القدرة على اتخاذ القرارات والقدرة على الاشراف على الوحدات الادارية والقدرة على تفويض السلطة والمسؤولية وتبسيط الاجراءات وتسهيل عملية الاتصالات على المستويين الافقي والرأسي والقدرة على التخطيط والتنظيم والتنفيذ والاشراف والمتابعة ورفع مستوى الاداء الحكومي وتحسين العلاقات الانسانية.
وهنالك صفات اخرى يجب توافرها في القادة الاداريين، منها حسن التصرف والدبلوماسية والشجاعة في اتخاذ القرارات، والحيوية والنشاط والصدق في القول، وطلاقة اللسان، وقوة الاقناع بالحجة الدافعة والمنطق السليم.
والقادة عادة يحبون وظائفهم، يؤمنون بفائدتها، وهم غير سريعي الانفعال والتأثير من الانتقاد بل يستطيعون السيطرة على اعصابهم والاستفادة منه بحكمة وتعقل دون ان يترك ذلك اثراً جارحاً في نفوسهم، ويستطيعون استيعاب الامر واخذ الاشياء الضرورية بالنسبة للموقف دون اعارة التفاصيل اي اهتمام. وهم غير مبدعين عادة في الامور الفنية ولكنهم يملكون الاحساس الذاتي بشخصياتهم، ولديهم سرعة الخاطر والاحساس بأي موقف قبل وقوفهم على الحقائق، ويتصفون عادة ببعد النظر والتصور والطموح والاصالة بالرأي الراجح والحكم على الرجال.
القائد الاداري، المدير العام، المسؤول الاداري.. هو الذي ينبغي الا يخضع اختياره لمنصبه الى القرارات الفردية النابعة من الامزجة والاهواء الشخصية لصناع القرار والحكم في البلد. واقترح بهذا الصدد تشكيل لجنة من الحكماء المختصين المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والحيادية لتتولى اختيار المسؤول القدوة، وان يتم النص على ذلك عند تحديث التشريعات المتعلقة بادارة مؤسسات ووزارات الدولة.
اذن، فلتبدأ عملية الاصلاح الاداري من قاعدة اختيار القائد/ المسؤول الاداري الكفء، وفق شروط ومواصفات علمية مناسبة تستند الى اسس وتشريعات حديثة تواكب مسيرة العراق النهضوية.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب