بقليل من التأمل تستطيع ان ترى كثيراُ ماتبتلي الامم والشعوب بالهزائم وخسارة الأوطان والتشتت والضياع ؛ ولا ريب أن تلك النكبات والهزائم لم تأتي من فراغ
وأنما من خلال الأمراض التي تعشعش في النفوس التي أوجدت القابلية للهزيمة مصداقاً لقوله تعالى ” إن الله لايغير مابقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم ..روح القطيع تلك الكارثة السلوكية التي تم تكريسها ، بخبث شيطاني ، لتصبح جزءاً من منظومة القيم السلوكية الإسلامية !! ليدافع عنها في ما بعد ، من يفرضون أنفسهم حراساً لثغور الفكروالحصون الإسلامية ..
المحزن والمؤلم جداً أن “السياسة” بتجلياتها الراهنة ، (في جميع جهات الأرض و ليس في بلادنا وحدها) أصبحت تعتمد “روح القطيع” هذه كإحدى أعظم أدواتها في تحريك الناس سواءً للبناء أو للهدم ، إذا أراد الساسة “المتغلبون على سادة الحكم أن يحشدوا حشداً مؤيداً ، استعانوا بروح القطيع من خلال بث شعارات تدغدغ مشاعر الناس ، و بإسم هذه الشعارات يمكن في ما بعد سوق الناس إلى أية وجهة يريدون ، خصوصاً و أن نظريات الإعلام التعبوي جميعها تقريباً تقوم على “معارف” و طرائق مبتكرة في استنهاض روح القطيع في الناس . و إذا أُريد حشد الناس “ضد” فكرة ما ، أو شخص ما ، فإن استنهاض روح القطيع فيهم هو الملجأ الأيسر و الأبخس ثمناً ، و تستطيع يا صاح أن تعدد آلاف الوقائع التي استخدمت فيها روح القطيع لدى العامة في إنفاذ أجندات سياسية بعضها توسل باسم الدين و بعضها توسل باسم “الوطن” و بعضها باسم “القومية”…
إن الشعوب التي بدأت تفيق وتصحو من سباتها تدرك أن هزيمتها كانت لأنها لم ترى تلك الشخصية القيادية الا سلامية والتي كان يتصف بها رسول الله صلى الله عليه واله لم تكن تمتلك تلك الجرأة في محاسبة النفس قبل الغير وبعدها ادركت انها لم تدخل معارك حقيقية أو أنها حاربت بدون تخطيط واستكمال للعدة ، ونتيجة لتآمر زعمائها عليها ، وبالتالي فالقيادات تطالب بأن تخوض ميدان الوغى مدفوعة بحماس الجماهير حتى لا تتهم بالجبن والخيانة ، وربما كانوا يظنون بأن القتال لن يحصل فلا بأس من المزايدة . أو فليخوضوا الحروب ليكبروا في أعين الناس لأن الذي يقاتل يكسب احترامهم وثقتهم وتصبح له مكانة في قلوبهم .. مع أن هذه القيادات لم تشترك فعلياً في القتال بل زجوا الشعوب بها ، وبالتالي تظل القيادات على كراسيها .
وبعد أن جربت الشعوب كل الرايات الوضعية فلم تحصد إلا الهزائم والنكبات … اخذت تتذكر زماناً رفعت فيه راية الإسلام فسادت وملكت وحققت اعظم الانتصارات … كل هذا وغيره تسمعه الجماهير من القيادات المؤمنة والدعاة إلى الله فتستجيب لهم وتبدأ بهجر الرايات الأرضية والقادة الذين يدعون إليها … وهنا يخشى الزعماء وقادة الهزيمة أن تتركهم الشعوب وتسير خلف القيادات المؤمنة الصادقة … فيلجأوا إلى التستر بالدين ، والى حماية المقدسات والبلدان ولكن تكون العواقب وخيمة تضيع البلدان وتهزم الشعوب وتموت جوعاً وقتلاً وتنكيلا ً كما حدث ماضياً والذي كان مُشرعا لحاضر جديد كما يصفه احد المحققين الاسلاميين لما جرى للبلاد الاسمية انذاك كما قال (البطل الفاتح الملك الناصر محرِّر القُدْس يعجز عن حماية مدن الإسلام، فيضطر لتخريبها ومَحوِها عن الوجود!!! كما ذكر في الكامل لابن الاثير مامروي عن تلك الاحداث (فَلَمَّا خُرِّبَتْ عَسْقَلَانُ أَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ إِنْكِلْتَارَ يَقُولُ لَهُ: مِثْلُكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَلِكًا وَيَتَقَدَّمَ عَلَى الْجُيُوشِ، تَسْمَعُ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ قَدْ خَرَّبَ عَسْقَلَانَ، وَتُقِيمُ مَكَانَكَ يَا جَاهِلُ؟ لَمَّا بَلَغَكَ أَنَّهُ قَدْ شَرَعَ فِي تَخْرِيبِهَا كُنْتَ سِرْتَ إِلَيْهِ مُجِدًّا فَرَحَّلْتَهُ وَمَلَكْتَهَا صَفْوًا بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا حِصَارٍ، فَإِنَّهُ مَا خَرَّبَهَا إِلَّا وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ حِفْظِهَا، )
ولكن الأمر ليس بهذه السهولة فهذه الشعوب تكون مبتلاة بقيادات وزعامات تقودها إلى الضلال والهزائم والنكبات وتستمر في الزعامة على الرغم مما سببته من هزائم ، وفي أجواء الهزيمة تنشأ قيادات أخرى تستفيد من الوضع الجديد ، ويرعاها العدو المنتصر.
ـــــــ