23 ديسمبر، 2024 9:11 ص

القومية الثالثة في العراق …اغلبية ولكن

القومية الثالثة في العراق …اغلبية ولكن

تحقيق

ان حياة البداوة التي عاشها التركمان في عصور خلت دفعتهم الى التنقل من منطقة الى أخرى والانسجام مع شعوب تلك المنطقة وكما معروف من قبل أن أواسط اسيا كانت موطن التركمان الاصلي  لكن لم تكن هناك دولة واحدة قوية تجمعهم إلا علاقات قبلية متعددة  ولم يكن الانتقال إلى ما وراء النهر وتشييد السراي دليلا على ترك حياة البداوة  وكانت طبيعتهم وعاداتهم ممزوجة بروح البداوة والاعتماد على راس العشيرة كما ان اصول ادارة العشيرة او القبيلة كانت تكفل لهم  الحماية والامن  وكانوا يكتفون بالعرف البدوي عوضا عن أي عقد او ميثاق وهذا ماكان جهازهم الاداري انذاك اصبح الخانات  وهو اسم يطلق على رمز السلطة في الدولة كان يفرض قراره على الشعب او عدة شعوب وكانوا  في مثل هذه الحالة يسيطرون على الوضع  وكافة الامور بالقوة  وبالعرف البدوي خيث يساعدهم في الحكم البعض من اتباعهم 
وهناك حروب كثيرة وقعت بين التركمان والشعوب الاخرى ومن جرائها تفرقت الشعوب التركمانية وهجرت موطنها الاصلي لتتجه الى مناطق متفرقة من العالم ومنها العراق حيث ان اول هجرة تركمانية قصدت العراق من قلب اسيا الصين والذين سلكوا الطريق الجنوني( نان- لو) وتلتها موجة وصلت الى ميديا وانتشرت على ضفاف نهري دجلة والفرات بما يقارب 800 سنة قبل الميلاد  ومن هذه الموجات المهاجرة تلك التي خرجت من وراء النهر قاصدة بلاد الروم وباسماء مختلفة  ويمكن تحديد هجرة التركمان  في العهد الاسلامي بسنة 54 هجرية والموافقة 673 ميلادية وعندما تغلب عليهم القائد العربي (عبد الله بن الزياد )والذي كان واليا على خراسان انذاك .ويعد عبيد الله بن زياد اول قائد ادخل التركمان في قطعات عسكرية واعتمد عليهم كمقاتلين عندما قدم بهم الى البصرة وكان عددهم الفان كلهم  افخر رماة النشاب  وهكذا استقر التركمان في العراق قبل الاسلام وعاشوا جنبا الى جنب مع اخوتهم العرب والأشوريون والأكراد  حتى يومنا هذا . ومن الجدير بالذكر ان خوارزم اقصى مواطن التركمان في آسيا الوسطى نحو الغرب وكان اهليها يتكونون بالاضافة الى الاوزبك من السارت والتركمان                          .
وبالتالي فان التركمان من الشعوب الناطقة باللغة التركية هاجروا على شكل موجات متعاقبة من اواسط اسيا واستقروا في بلدان عديدة تمتد من البلد الام حتى اجزاء من يوغوسلافيا وكما اسلفنا ان اول موجة دخلت العراق قبل الاسلام وتلتها موجات في العهد الاسلامي ابتداءا من سنة 54 هجرية واستقروا كاقرانهم من ابناء العراق وانشأوا الصروح الخاصة بهم وطوروا ثقافتهم وطرزوها بالثقافة العربية والحضارة الاصيلة لتنتج جيلا واعيا وهم كأخوتهم العراقيين دافعوا عن هذا البلد وشاركوا في بنائه وضحا بالغالي والنفيس من اجل هذا البلد والذي أصبحوا القومية الثالثة التي تمثل الشعب العراقي.
ويمكن القول باختصار ان التركمان هم أحفاد الأتراك الذين دخلوا العراق قبل وبعد  الإسلام  في ظروف سياسية وجغرافية واقتصادية  وبأوقات مختلفة من أوسط أسيا  ومن البلدان المحيطة بالعراق  وليس عن طريق الاحتلال العثماني السابق ذكره واكتسبوا صفة المواطنة  وتحملوا ما تحمل  أبناء العراق واندمجوا معهم وأصبحوا كتلة من هذا الشعب بل وأنهم قومية لها ثقل كبير في العراق لا سيما بعد ان دافعوا بأرواحهم و دمائهم دفاعا عن هذا البلد ومصاهرتهم لأخوتهم  العرب  ومكوثهم في المدن والقصبات متعايشين بحب وسلام وإخوة نابعة من قناعة وإيمان بالرسالة الوطنية ووحدة الدين والأرض والدم.

المناطق ذات الأغلبية  التركمانية

يعيش التركمان على طول الخط الممتد من قضاء تلعفر ابتداء من قرى الشبك والرشيدية مارا بمركز اربيل فناحية التون كوبري ومن ثم كركوك وتليها نواحي واقضية تازة خورماتو وداقوق وطوز خورماتو  وقسم من قرى البيات وكفري وقرة تبة وجلولاء والسعدية وخانقين والمقدادية ومنطقة الججان والمنصورية  ودلي عباس وقزانية وانتهاء بقضاء مندلي                                  .
ولاشك في ان كركوك تعد قلعة التركمان وتاريخهم وحضارتهم والقومية التركمانية تتمتع بثقل كبير في كركوك نتيجة الكثافة السكانية التي تشغلها هناك .وتليها محافظتي ديالى ونينوى حيث تسود في بعض مناطقها اللغة التركمانية ثم محافظة صلاح الدين التي تحتضن عددا من ابناء القومية التركمانية وتقدر احصائات غير رسمية إن عدد التركمان تجاوز الثلاثة ملايين مواطن يتوزعون على محافظات وسط العراق واقضيتها ونواحيها بالإضافة إلى قرى  صغيرة متفرقة .ومن الجدير بالذكر ان المناطق سالفة الذكر يتكلم سكناها اللغة التركمانية كلغة رسمية وسائدة في تلك المناطق .                                     

اللغة واللهجات التركمانية 
اللغة التركمانية لغة مرادفة لللغات تركيا وأذربيجان وأوزبكستان  أو تختلف عنها ببعض المفردات الا أنها تفهم من قبلهم وهي لغة متداولة في البيوت والأزقة التركمانية ولها لهجات متعددة كالعربية والكردية وتقسم الى :-لهجة كركوك وداقوق ولهجة طوز خورماتو ولهجة تلعفر ولهجة كفري وقرة تبة ولهجة خانقين والسعدية ولهجة اربيل والتون كوبري واذا رجعنا الى اللغة الشائعة في العهد العثماني نلاحظ وجود هجين من اللغات وهو مزيج من اللغات الفارسية والتركية والعربية ومازال قسم من هذه المفردات الهجينة متداوله حتى اليوم وخصوصا في المناطق المختلطة والتي يقطنها مزيج من ابناء الطيف العراقي .
اما بالنسبة للكتابة فهي مقسمة الى اربع انواع منها الكتابة الصغدية والكتابة الاورخونية والكتابة الاويغورية والكتابة النسطورية  وهي مقسمة كل حسب  الإقليم  الدولة التي تعيشها الأغلبية . وتحتفظ القومية التركمانية بعادات وتقاليد تاريخية وموروثة منذ الأزل ولا تقتصر الحضارة التركمانية على الشعر والكتابة والتدوين وغيرها الا ان الثقافة التركمانية متعددة  منها ادبية كالقصص والاشعار والملاحم التركمانية بالاضافة الى الخوريات التي تعد من الفنون التي تميز التركمان  وهناك نوع اخرمن الأدب يسمى بالادب ( الجغتائي)  وبرز فيه شعراء وعلماء كثيرون وازدهر وتطور  الأدب التركي بهذه اللهجة والتي كانت تسود في مناطق تركستان وخراسان آنذاك  .

الأدب التركماني  و الخوريات
 
الخوريات نوع من أنواع الشعر الشعبي الذي ينظم باللغة التركمانية وهو معروف وسائد في مناطق التي تقطنها أغلبية تركمانية ككركوك وديالى والموصل . وهو على شكل رباعيات جناسية ويكون فيها الجناس اما كاملا او ناقضا وتتألف الرباعية من أربعة مقاطع شعرية أي من اربعة اشطر . ويتكون الشطر الاول من كلمة اوكلمتين  تعطى معنى جناسيا وتكون قافية  للخوريات ,اما الشطر الثاني فيتكون من عدة كلمات مستندة على قالب المقاطع الصوتية                                                                               
ذي السبعة احرف هجائية  وتتكرر الكلمة الجناسية التي بدات بها الرباعية .اما الشطر الثالث ايضا يتكون من قالب المقاطع الصوتية ذي السبعة هجاءات وبدون ان يستند الى القافية .والشطر الرابع من الخورية الواحدة من قالب المقاطع الصوتية ذي السبعة احرف مقفى بنفس الكلمة التي بدات بها الرباعية . وقليلا ما نجدان الخوريات تتكونمن ستة الى اثنى عشر شطرا اماالقافية فانها تتكون من ثلاثة الى اربعة هجاءات و لهذا النوع من الرباعية  خوريات او خويرات او قويرات                                      .
ولقد اطلقت هذه التسمية منذ العصور القديمة قاصدة تلك الكلمات المنظمة ببساطتها والموزونة والتي تحتوي على الكثير من المعاني العميقة التي تنبع من الأفكار النقية التي تمتزج مع اللهجات التركامنية المتنوعة والتي باتت معلم كل شخص في بيته ولتميزه عن غيره من ابناء القومية الواحدة حيث ان كما اسلفنا ان لكل منطقة لهجتها الخاصة مع احتفاظها بمميزات اللغة الأم. وهكذا أصبحت الخوريات واحدة من معالم ثقافة الشعب التركماني الذي كان ومازال يتداوله الكثير وهنا الأم تنظم الخوريات لطفلها الذي تطلب منه أن ينام وهي ( تلولي ) للطفل كي ينام وهي مترجمة من اللغة التركمانية ..وهذه المعلومات بحسب ادباء تركمان كان لنا معهم لقاء مختضر وعدد منهم يعلم  الآن في مدارس تركمانية كتطوع للحفاظ على الإرث الأدبي التاريخي للتركمان مثلا                

ثمن مهدك خمسة قروش
أما ربطتك فمن الفضة .. .أتوسل إلى الله
إن يكتب لك عمرا جديدا

ولا شك في ان الأدب التركماني متأثر تأثيرا مباشرا بالأدب التركي والذي كان سائدا إبان حكم العثمانيين للعراق  ومازال يحتفظ بالأسلوب الأدبي ذاته وهو أسلوب كلاسيكي  والملاحظ ان النتاجات التي قدمتها أجيال سابقة لم تقف بمتطلبات القاريء  التركماني لأنها تواكب التطور التاريخي للأدب العالمي  . فللتركمان أدب يضم  قصص وأمثال وأشعار و خوريات ومزايا كثيرة  مكنونه مازالت تبحث عن من يخرجها لتنهض من جديد على ما كانت عليه من إبداعات . وعلى الرغم مما واجهه التركمان من ظلم وتعسف واضطهاد في عصور سالفة لم تهفت نهضة الإبداع والفن الذي أبدعوا فيه  بل كانت ومازالت تترعرع في أحشاء أبنائها عبر العصور والأزمان .

فضولي البياتي ( البغدادي ) تاريخ وحضارة                                              
شاعر تركماني ولد عام 1498 م.و يقال أن مسقط رأسه في قرية من قرى طوزخورماتو  وهو من قبيلة البيات التي تقطن هناك واسمه الحقيقي محمد سليمان امتاز عن غيره انه ينظم الشعر باللغات العربية والتركية إضافة  الى الفارسية  عرف بإبداعاته الأدبية آنذاك وامتاز بفصاحته اللغوية ولباقته حيث أن أسلوبه اللغوي النوائي اخذ حيزا كبير وجعله من أوائل الأدباء الذين استطاعوا أن يتركوا بصمة في الأدب العراقي عامة والتركماني خاصة وكان شاعرا مجددا لا مقلد  وكان العصر السادس عشر العصر الذهبي بالنسبة للأدب التركماني في العراق وكذلك يمكن تسميته بعصر فضولي البغدادي حيث كان يسمى شاعرنا الكبير بعطائه .  من المؤكد أن كلمات قليلة لا تفي بالغرض وعطاء هكذا شاعر عملاق رحل وترك ذكرا طيبا وتاريخا وحضارة لاسيما انه يمثل مكون أساسي من مكونات الشعب العراقي وشريك حقيقي في الأرض والوطن والواجبات الوطنية .توفي شاعر الإبداع والتجديد بمرض الطاعون في كربلاء المقدسة سنة 1555م ودفن بناءا على وصيته في كربلاء بالقرب من مرقد الإمام الحسين بن علي ( عليه السلام ) مقابل باب القبلة  ومازالت آثار قبره ظاهرة للعيان .ومازال ذكره وعطائه في القلوب والأذهان.

الحقوق الثقافية للتركمان
لا شك في أن الحقوق الثقافية هي من حق أي شعب او قومية لها تاريخ وفلكلور ثقافي بمختلف الأنواع من حكم وأمثال وملاحم وأدب وان للتركمان حق في إنشاء مراكز ومديريات ثقافية وما اصدره مجلس قيادة الثورة المنحل من قرار تاريخي بالرقم 89 في عام 1970 كان بمثابة عدالة مشروعة وضمانا للحق التركماني واذا ما قورنت بالوقت الراهن وما يكافح من اجله التركمان لكانت افضل بكثير وضمت فقرات القرار اعلاه بما فيهادراسة اللغة التركمانية في مرحلة الدراسة الابتدائية وجعل كافة وسائل الايضاح باللغة التركمانية في جميع  المدارس التي ستدرس بهذه اللغة واستحداث مديرية للدراسة التركمانية بوزارة التربية والتعليم آنذاك تمكين الأدباء والشعراء والكتاب التركمان من تأسيس اتحاد والعمل على مساعدتهم وتمكينهم من طبع مؤلفاتهم وتوفير فرص لزيادة قدراتهم وقابليتهم اللغوية وربط الاتحاد باتحاد الادباء العراقيين وكذلك استحداث مديرية للثقافة التركمانية مرتبطة بوزارة الثقافة والإعلام واصدار صحيفة أسبوعية ناطقة باللغة التركمانية وزيادة البرامج التركمانية في تلفزيون كركوك كونها ذات الأغلبية التركمانية واحتراما الى ارادة الشعب التركمانية وتطلعاته السياسية والثقافية اما اليوم يستفهم التركمان عن حقوقهم عامة لا سيما وان الاف الطلاب التركمان يدرسون في مدارس تركمانية دون دعم يذكر سوى ما تقدمه المنظمات والأحزاب التركمانية يدعم من تركيا فقط اومن قبل دعم خاص من رجال أعمال ومتمكنين من التركمان  . وما يبحث عنه التركمان هو حقهم الدستوري الذي من شأنه ضمان حقوق الأقليات كيف إذا لم تحصل الأغلبية على حقها القانوني                   .
ومن بين القوى السياسية والأحزاب التي مازالت تناضل من اجل المطالبة بحقوق أبناء الشعب التركماني هي الجبهة التركمانية العراقية وحزب العدالة التركماني والإخاء وأحزاب متفرقة أخرى بما فيها أفراد ينتمون إلى كتل سياسية كبيرة محاولين رفع صوت الشعب التركماني الذي كان ومازال بعيدا عن العنف والتسلح والعدوانية لأنه شعب مسالم يروم الحصول على حقه بطيبة وروح حضارية عالية كما كان سابقا ولان الأجيال القادمة واعية تماما لما لها وما عليها من حقوق وواجبات تجاه هذا الوطن الذي يحتضن أبنائه مهما اختلفت ألوانهم ولغاتهم .والهدف هو تحقيق المباديء والأهداف السامية التي تناضل من اجلها الشعوب .