23 ديسمبر، 2024 12:39 ص

القهوة العربية في الموروث الشعبي.. تقاليد التقديم وآداب التناول

القهوة العربية في الموروث الشعبي.. تقاليد التقديم وآداب التناول

احتلت القهوة في موروثنا الشعبي، مكانة رمزية رفيعة، باعتبارها دليلا حسيا مباشراً على كرم الضيافة. وكان لطريقة إعدادها، وأسلوب تقديمها للضيوف، وأدب تناول الفنجان، تقاليد عريقة، ظلت راسخة، وقائمة إلى اليوم.

فعند تقديم القهوة، ينبغي أن تقدم أولاً للضيف في صدر المجلس، على قاعدة (القهوة خص والشاي كص)، حيث يتم تجاوز الجميع، وصب القهوة للضيف أولاً. وتصب القهوة بعد ذلك للضيوف، من اليمين إلى اليسار. ولا يجوز لشارب القهوة مناولة الفنجان لجليسه،كما جرت عليه العادة في الماء، لأن الفنجان مخصوص له بالذات.

وفي تقاليد تقديم الفنجال، فإنه ينبغي ان يقدم للضيف باليد اليمنى من قبل الكهوجي، وأن يمسك الكهوجي دلة القهوة باليد اليسرى. وينبغي على الكهوجي عندما يشرع بتقديم القهوة للضيوف، أن يحدث صوتا خفيفا ، باصكاك الفناجين ببعضها البعض، او الفنجال بالدلة، لتنبيه الضيف، إذا ما كان سارحاً، أو متكئا، وأن لا يعطى الضيف الفنجال، اذا تناوله بيده اليسرى،أو بقي متكئا .

أما فيما يتعلق بالكمية التي تصب في الفنجال، فإن تقليد(صبة الحشمة) في الفنجال، يقضي أن تكون بكمية تصل إلى ثلث الفنجال، حيث إذا زادت الكمية المصبوبة عن ذلك القدر، فإن ذلك يعني أن الضيف غير مرحب به، وعليه أن يُغادر المجلس .

ويلاحظ أن لكل فنجان مشروب من القهوة اسما خاصاً به، وله دلالته،فأول فنجال يُقدّم، يشربه المضيف، يسمى( فنجال الهيف)، ليُثبت للضيف، أن القهوة سليمة، وخالية من أي سوء يؤذيه، من سم أو غيره. في حين ان ثاني فنجال هو الذي يشربه الضيف، ويسمى( فنجال الضيف)، دلالة على الكرم، والاحتفاء، بينما يسمى الفنجال الثالث الذي يشربه الضيف ( فنجال الكيف)، ويدل على ان الضيف يستمتع بطعم القهوة، ويأنس بالمجلس. اما الفنجال الرابع الذي يشربه الضيف، فيسمى( فنجال السيف)، دلالة على أن الضيف يقف مع مُضيفه في حال تعرض لأذى، أو اعتداء.

وأما عادة( هز الفنجال) باليد ، فهي اشارة من الضيف تعني الاكتفاء من شرب القهوة،في حين ان لم يهز الضيف الفنجال، فإن على الكهوجي أن يعاود صب القهوة للضيف .

ومن التقاليد الأخرى، فإن( عدم شرب الفنجال من قبل الضيف، ووضعه بالأرض)، يعني أن الضيف لديه طلب من صاحب المضيف، وان الضيف لن يشرب الفنجال المصبوب له ، إلا بعد أن يجيب صاحب المضيف طلبه.

أما تقليد ترك الدلة في الديوان، ووضع الفنجان مقلوبا عليها، بين غطاء الدلة ومصبها،فإنه يعني أنه لا يوجد أحد في المضيف، وان على الضيف في مثل هذه الحالة، ان يقوم يصب القهوة بنفسه، ويشرب فنجاله، وان يغادر الديوان بعد ذلك.

وقد جرت العادة، أن لا تعاب القهوة علنا، مهما كانت. حيث ان ذلك يثير حفيظة المضيف باعتبار أن قهوته فيها خلل، أو تغير في طعمها، واعتادوا التعبير عن مثل تلك الحالة بقولهم (كهوتك صايبة). وقد جرت العادة أن يتم اخبار المضيف بالخلل بلطف، ومن دون أن يشعر بالكلام أحد، وذلك لما لمهارة إعداد القهوة من حساسية ،وبالتالي فإن على من عابها إثبات ذلك، وفي هذه الحالة فإن على المضيف ان يغير قهوته حالاً، ويستبدلها بقهوة جديدة . ولذلك جرت العادة أن يقدّم الماء قبل القهوة، لأنه لا يجوز طلب الماء بعد شرب القهوة مباشرة، إذ إن طلب الضيف الماء في مثل هذه الحالة، يعني أن القهوة غير جيدة.

وقد أعطوا الدلال المستخدمة في تحضير القهوة اسماءا محددة ، حيث ( الكمكم) هي الدلة الأكبر حجماً، والتي يتم غلي القهوة بها عند التلقيم، ويكون غطاءها مسطحا. أما( المصفاه) فهي الدلة المتوسطة الحجم، ويتم جمع بقايا القهوة فيها وتصفى بها القهوة، بينما( المصب) هي الدلة التي يصب فيها صافي القهوة من الدلة المصفاة، وتقدم بها القهوة للصب في الفنجال، وتقديمها للضيوف للشرب .