23 ديسمبر، 2024 5:40 ص

القمر الدموي بين منظومة الايهام  ومنظومة الحقيقة الناطقة

القمر الدموي بين منظومة الايهام  ومنظومة الحقيقة الناطقة

قبل فترة  مرت علينا ظاهرة قمرية تسمى (القمر الدموي) اعتقد انها مؤشر لامر مهم  .

ذكرت التوراة في سفر يوئيل 2: 31 (( تتحول الشمس إلى ظلمة، والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف))

كما ان الانجيل في سفر أعمال الرسل 2: 20 حيث يقول (( تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم، قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهي))

القمر الدموي كظاهرة فيزيائية هو عبارة عن خسوف كامل للقمر ويظهر بلون (احمر قاتم) نتيجة لتبعثر أشعة الشمس من خلال الغلاف الجوي للأرض والتي تسقط على سطح القمر 

هذا الخسوف يحدث عندما تكون الأرض و الشمس والقمر على استقامة واحدة فخلال خسوف القمر تمر الأرض بين الشمس والقمر وتلقي بظلها على سطح القمر  ويحدث الكسوف عدة مرات في السنة، ولكن لا يمكن مشاهدته في جميع أنحاء العالم لأنه يكون مرئياً فقط عبر بعض الأماكن على الكرة الأرضية وبعض الأحيان يكون جزئياً

هذه الظاهرة استغلها اليهود الصهاينة في جذب الامة اليهودية  لقد ارادوا ان يقولوا ان الاطلالة الدموية التالية للقمر الدموي ستكون على راس مجد الانتصار الاسرائيلي الذي سوف تكون فيه القدس عاصمة اسرائيل الابدية   لأن تأسيس الدولة العبرية إنما حدث سنة (1948 ــ 1949) حيث ظهر القمر حينها بلون الدم  وقد خاضت فرق (البلماخ والإرجون والهاجاناه والشتيرن ) قتالا شرسا للغاية وهم يرون القمر قد تحول بلون الدم طبقا للنص التوراتي  وفي سنة (1967 ــ 1968) تحول القمر إلى لون الدم فكانت نكسة حزيران او حرب الايام الستة (ملحمت شيشيت ها ياميم) التي اكتمل فيها قمر الدم في ستة أيام فكان انتصار إسرائيل الساحق واضافة أراض جديدة للاحتلال (سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان )  علما أن ظاهرة القمر الدموي لم تحدث ولا مرة في القرن التاسع عشر ولا الثامن عشر ولا السابع عشر ولا السادس عشر  ولكنها تكررت في القرن العشرين وهذا القرن بشكل غريب .

والان ان ما يهمني في هذا الاستدلال هو كيفية قراءة تلك الاحداث الغريبة وحتى الاحداث التي تدخل تحت عنوان مهم في حياتنا وجعلها اداة ووسيلة لغاية معينة كقضية فكرية أو عقائدية لما لهذه الظواهر او الاحداث من تأثير على العقل الجمعي في التوجه الفكري والعقائدي , لذا جعلت اسرائيل من هذه الظاهرة وهي (القمر الدموي) حافزا للاستقطاب الديني والفكري من خلال صياغتها صياغة تلائم الذائقة الاسرائيلية لتحقيق اهداف معينة  رغم ان هذه الظواهر ان تم تحليلها بموضوعية فانك ستذهب الى نتيجة تختلف كليا عما يراد لها وهذا بالضبط هو غسيل الدماغ الذي تعيشه البشرية بأرادتها فلقد عمدت اسرائيل الى ايهام المجتمع اليهودي الى ان الحروب التي خاضتها اسرائيل هي حروب مقدسة بدليل تزامنها مع ظواهر فلكية نادرة الحدوث وهي اشارة من الله على ان قضيتهم هي قضية عادلة والحقيقة ان ظاهرة (القمر الدموي) هي انعكاس لبشاعة الجرائم التي ارتكبها اليهود ضد البشرية الى الحد الذي تحول فيه نور القمر الابيض الى قمر دموي ولعل قول السيدة العقيلة زينب عليها السلام هو مصداق لذلك عندما قالت بعد مقتل اخيها الحسين عليه السلام(اعجبتم ان تمطر السماء دما)

وهنا اترك اسرائيل ومجتمعها الدموي وانتقل الى مجتمعنا الاسلامي أو بمعنى أصح الى مجتمعنا المتأسلم الذي حقيقة لا يختلف كثيرا عن المجتمع الاسرائيلي الداخل طوعا في منظومة (الايهام ) فكذلك مجتمعنا المتأسلم فهو ايضا  دخل بكل رحابة صدر في تلك المنظومة الاستعمارية رغم ان هناك منظومة أخرى وهي ( الحقيقة الناطقة) التي تسعى في سبيل الارتقاء بالعقل الفكري والعقائدي لمجتمعنا (المتأسلم) الى مستوى المجتمع (المسلم) وهذا هو الصراع الحقيقي الذي لا يدركه الكثيرون ولا يعرفون مسمياته لانهم وبكل بساطة اختلطت لديهم الاوراق كما اختلطت الاوراق في المجتمع الاسرائيلي تجاه ظاهرة (القمر الدموي) فأصبح مجتمعنا ينظر الى الاحتلال الاميركي محررا ومخلصا وان عصا الخلاص بيده وينظر الى من يسعى للتحرر من الاحتلال كمخرب وقاتل مثلما تماما فعل المجتمع الاسرائيلي تجاه ظاهرة  (القمر الدموي) عندما صار يحلو له ان يعتبر هذه الظاهرة اشارة من (الرب) على انهم شعب الله المختار فكذلك مجتمعنا صار يحلو له ايضا اعتبار الفاشلين والفاسدين ملائكة  الرحمة  .

لقد استطاعت تلك المنظومة الاستعمارية من خلق حالة من الارتباك لدى المجتمع العراقي وجعل بوصلته متذبذة لا تستقر الى قرارحتى وصل الامر به الى انتخاب الفاسد والمراوغ والقاتل والضعيف والانتهازي الى اخره من المسميات بل انك تجده من اكبر المدافعين عنه بل ويعتبرون ذلك الفاسد هو الحل الامثل للوضع المضطرب في العراق ولا سبيل الا به

انا اعتقد ان من دخل بأرادته داخل منظومة (الايهام ) كانما أصبح من المدمنين على المخدرات ولا سبيل ابدا لعلاجه ويقع على عاتق منظومة (الحقيقة الناطقة) ان تستوعب المتبقي القليل من المجتمع العراقي الذي لم يتأثر بأيحاءات المنظومة الاستعمارية .