أنتهت اعمال مؤتمرات القمم العربية والاسلامية الأمريكية في الرياض, والتي حضرها أكثر من 50 دولة عربية واسلامية, والتي تمخضت عنها العديد من الصفقات والمعاهدات والتي كانت قيمتها اكثر من 500 مليار دولار, وكان للتسليح حصة الأسد في هذه الصفقات حيث بلغت قيمتها اكثر من 380 مليار دولار, الى جانب مشاريع أخرى اقتصادية وغيرها, وكانت واجهة القمم الأساسية هو بذل الجهود لمحاربة والقضاء على الأرهاب وداعش في المقدمة, كما هو معلن, ولكن كانت الجهود الأمريكية والسعودية بشكل خاص هو الدعوة لمحاربة ايران باعتبارها الراعي والداعم الأول للأرهاب على المستوى العالمي حسب ادعائهم, وإنها خطر يهدد استقرار المنطقة ودولها, وما صفقات التسليح الهائلة الامريكية للسعودية إلا هي التهيأ العملي والميداني لأعلان الحرب على ايران ومحوها اذا تمكنوا !!!.
لقد نجحت امريكا ترامب اقتصاديا في هذه القمم من خلال صفقاتها الاقتصادية ومن خلال استنزاف المال الخليجي والسعودي بشكل خاص, وستسهم هذه الصفقات بأنتعاش التصنيع العسكري الامريكي وايجاد االمزيد من فرص التشغيل في المؤسسة العسكرية, الى جانب المؤسسات الأخرى من خلال صفقات ذات طابع اقتصادي وغيره, كما أنتعشت السعودية وتنفست الصعداء مقابل هذا المال السخي بشراء صك الغفران وتبرئتها من كونها راعية للأرهاب الدولي واعفائها من المحاسبة الامريكية حسب قانون جاستا بخصوص احداث الحادي عشر من سبتمر الارهابية عام 2011, وتبرئتها ضمنا من دورها في زعزعة الاستقرار في المنطقة العربية واساهمها في تدمير دول عربية مختلفة في اطار ما يسمى بالربيع العربي او دورها في تدمير اليمن وسوريا ودعم التنظيمات الارهابية المختلفة في سوريا والعراق, وتغذية الصراعات الطائفية والمذهبية !!!.
لقد اقدمت هذه القمة على عمل خطير وهو اعطاء صبغة شرعية ثنائية للصراع الطائفي في المنطقة وتغذيته من خلال رؤيا سعودية خاصة للصراع, من تقسيم المنطقة الى محورين: سني ـ شيعي, والوقوف الى جانب المحور السني ” المظلوم ” وأعلان الحرب على المحور الشيعي ” الظالم “, وهو عمل خطير بنتائجه اللاحقة في اطار اعادة وتوسيع نطاق الارهاب في المنطقة, واعطاء مشروعية للطرف الاخر ” الشيعي ” في الدفاع عن نفسه وردود افعاله, وما يقوم به من دفاعات ذاتية للحفاظ على نفسه, مما يؤدي الى تغذية العنف والعنف المتبادل في بيئة مسلحة هذه المرة بأعتى اسلحة الدمار الشامل. وفي الوقت الذي اكدت فيه الكثير من الخطابات على محاربة الارهاب بصورة عامة وداعش في مقدمتها, جاء الخطاب الامريكي والسعودي وكأنه خطاب واحد مركزا على ايران باعتبارها هي السبب في كل ويلات وحروب المنطقة !!!.
ان محاربة الارهاب هو ليست فقط بعقد صفقات سلاح أو بحمل السلاح والقضاء على فصيل ما مسلح جرى تصنيفه ضمن قائمة المنظمات الارهابية, وان كان ذلك ميدانيا ضرورة لا بد منها وخاصة في ظل اجماع دولي على هذا الفصيل او تلك وداعش في المقدمة, ولكن الاهم من كل هذا هو الوقوف ضد منابع الارهاب الفكرية والعقائدية وخاصة الدينية منها, كي لا يعاد انتاج الارهاب ثانية وبمسميات أخرى ما دامت التربة الفكرية والعقائدية والبيئة الاجتماعية صالحة لإعادة نوبات الارهاب. أنا متأكد” على سبيل المثال لا الحصر” ان العراق سيقضي على داعش قريبا ولكن هذا لا يعني الخلاص من الارهاب نهائيا مادامت قنوات الارهاب, من سوء أوضاع وتردي عام وفساد في كل مظاهر الحياة تشكل ارضية خصبة لولادة دواعش جدد, وكذلك التحالف الدولي هو الاخر سيقضي مؤقتا على داعش, ولكن العثور على حلول جذرية لمناطق الصراع المستعرة بفكر التطرف الديني والايديولجي هو أكثر ألحاحا لتأمين المستقبل ومنع الارهاب !!!.
الإرهاب بدون شك له بيئة حاضنة ومواتية لديمومته وبقائه, ولا يعني أبدا القضاء عليه مباشرة بالحشود العالمية العسكرية يعني اختفائه عن الظهور ثانية, لان سنة البحث العلمي تستدعي معالجة الظاهرة من خلال أسبابها وليست من خلال قطع دابر الأعراض وبقاء الأسباب, ومن هنا تأتي أهمية التزامن في القضاء على الأذرع العسكرية للإرهاب مع مجمل تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية في البيئة التي ينتعش فيها الإرهاب بمختلف مسمياته ” داعش وأخواتها ” !!!.
أسوق هنا بعض من العوامل العامة التي تعتبر بيئة حاضنة للتحجر العقلي وما يفرزه من مظاهر, وفي مقدمتها الارهاب, وأبرز هذه العوامل هي:
1 ـ حالة الفقر العامة في اغلب المجتمعات العربية, فالفقر بطبيعته التي تجبر الإنسان على التفكير بلقمة العيش فقط, فهي تحصره في ضيق الأفق والتقليل من مساحات الإبداع والحد من استثمار القدرات العقلية.
2 ـ هيمنة الفكر السياسي والديني المتعصب في الحياة العامة والذي يرفض جميع أشكال التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي, ويتشبث في الماضي لإيجاد الحلول لمشكلات الحاضر, ويرفض ممارسة النقد والنقد الذاتي لفكره وممارساته, فيعتبر ما عنده هو صالح لكل زمان ومكان, وبالتالي يشل قدرة العقل على التواصل مع معطيات الحضارة العالمية.
3 ـ الاستبداد السياسي المتمثل بفقدان حرية الرأي وغياب الديمقراطية في كل مفاصل الحياة, ابتداء من السلوكيات الفردية والمؤسساتية صعودا الى قمة النظم السياسية القمعية, التي تحاصر الحريات الفردية اللازمة لتطوير شخصية الفرد وعطائه, وتحول الكيان الاجتماعي الى كتلة هامدة عديمة التمايز والفاعلية, تجيشها متى ما تشاء وتخرسها عند الحاجة وتساوي أفرادها هلاكا, حيث أن التمايز الفعال بين الأفراد في القابليات والقدرات هو احد حقائق الوجود الإنساني وصيرورته.
هنا أقول بوضوح ان الكثير من هذه الدول المنظمة الى القمة العربية الاسلامية والامريكية هي دول راعية للارهاب وداعمة له وتقدم كل المستلزمات العسكرية واللوجستية والمالية له, وذات بيئة اقتصادية وسياسية وفكرية قابلة على اعادة انتاج الارهاب ونوباته القادمة, ويكفي ان يطلع القارئ على قائمة الدول الداخلة فيه, وقد تكون واجهة الحلف هو محاربة داعش الشماعة العلنية للارهاب الآن ومادة المزايدة العلنية في القضاء على الارهاب, ولكن الباطن يخفي الكوارث في هذا الحلف, من دعم متزايد لفصائل أخرى ارهابية متطرفة, والى اتخاذ الحلف واجهة شرعية لمحاربة فصائل اخرى تحت واجهة مسميات الارهاب, وعلى العموم فأن هذا الحلف جاء مرتبكا لاخطط فيه ولا استرتيجية ملموسه ولا اهداف واضحة ولا آليات للتنفيذ, باستثناء كونه مشروع اقتصادي كبير لأمريكا مقابل صك غفران للسعودية !!!.
هل يعقل لبلد مثل السعودية مطابق لداعش في صيرورته ان يقاتل الارهاب بصدق ويدعم بناء ديمقراطية واستقرار حقيقي في بلد عربي ما, حيث يمارس النظام يوميا حد الحرابة, وحد الردة, وقطع الايدي, وتكفير الاخر بفتوى بسيطة ساذجة, وجهاز حسبة يراقب الناس في ملابسهم وتصرفاتهم, وقتل السحرة, والجلد أمام الملئ, وتدمير الاضرحة والتماثيل بحجة الشرك, تمويل الارهاب والمنظمات الجهادية والقاعدة منها. يعلم العالم الغربي وامريكا بشكل خاص ان السعودية هي مصدر اساسي من مصادر الارهاب العالمي عبر فتاوى الوهابية التي تكفر الاوربي والامريكي كما تكفر المذاهب الاسلامية المغايرة لها, وقد اكتوى العالم الاوربي والامريكي والاسلامي بذلك,لقد نطقت منظمات حقوق الانسان بتجازوات السعودية, ولكن النفط والمصالح الامريكية كانت اعلى من صوت حقوق الانسان !!!.
أن حديثي هذا لا يبرئ ذمة ايران من التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية والاسلامية عبر نهجها المعروف في تصدير الثورة الاسلامية ودعم الحركات والفصائل الاسلامية المطابقة لها في النهج والقناعات الفكرية والمذهبية والمساهمة في زعزعة الاستقرار الامني في المنطقة, ولكن هل يرتقي هذا الى جرائم القتل الجماعي والمجاني اليومي والابادة الانسانية. أن الجبهات الداخلية الوطنية المتماسكة هي وحدها الكفيلة بردع كافة مشاريع التدخل وفرض اجندة خارجية, وهي بالتأكيد شرط سابق لمحاربة الارهاب !!!.