القلم كلام ولسان , ينطق الحق ولو على أهله , حر نزيه نبيل سامي يكدح لإظهار الحقيقة وبث الأنوار ولو كره الكارهون , وهذا القلم ملعون , مستهدف وقد يوصف بالجنون في زمن تتركع فيه الهامات تحت أقدام الكراسي والعمائم وذوي السلطات , أصحاب المال والسلاح والعتاد , الرتع الأمعات الذين يسبّحون بحمد أرباب العصابات.
القلم جمرة ما بين السبابة والإبهام , يتأوّه يتألم ويبعث أنينا ودخانا , لكنه يكتب رغم صولات الوجيع وتيارات الآلام , ومخاطر تحفه وتهديدات تطارده , وقوات لا تفتأ تتابعه وتراقبه , وتخطط للقضاء عليه ومحق وجوده.
فالزمن للنار والدخان , ولا يُسمح فيه ببث الأنوار , فالمطلوب عماء عقلي وأمية طاغية , وجهل يترعرع فوق تراب الويلات والقهر والحرمان من أبسط الحاجات , ولا بد من تبع رتع في ظلال عمائم تتنعم بما رزقت من حيث لا تحتسب , لأنها تؤدي طقوس الإذعان وتنفيذ برامج العدوان.
وقد قالوا في الكلام واللسان , ويمثلهما القلم في هذا الزمان, ومن الأقوال:
“ربَّ كلامٍ أقطع من حسام”
“ضربة الكلمة أقوى من ضربة السيف”
“مقتل الرجل بين فكيه”
“لسانك حصانك إن صنته صانك”
“بلاء الإنسان من اللسان”
“سلامة الإنسان في حفظ اللسان”
“في اللسان هلاك الإنسان”
“ويل للرأس من اللسان”
لكن الأمة حية ولا يمكنها أن تنكسر وتنمحق وتغيب , وإن إنحنت لصولات الويلات فأنها ستستقيم , وتنطلق , وكم عصفت بها الخطوب , وداهمتها الحروب , وتعود أمة حية ذات أروب , ولن تتكسر أقلامها , ولسوف تنتصر على العدوان الآثم البغيض , ولو قتلوا ألف قلم وقلم , فأن الأمة ستنهض بأنوارها وستشع ويشرق جوهرها وتتألق لغتها , وتكون كما يجب أن تكون , ولن تهزموا أقلام أمة ذات نون!!