نسينا ونحن نتحدث عن المأزق الذي يمر به العراق حاليا ، ما هو الموقف الامريكي منه؟ تقول الولايات المتحدة انها لا تقبل بنتيجة الاستفتاء لانه من طرف واحد. طيب ما البديل من وجهة نظرها ان كانت لا تقبل الاستفتاء او لا تقبل انفصال كردستان عن العراق. ما هو تصورها للحل وهي تدعو كل من أربيل وبغداد للحوار؟ وما هو الإطار المقبول من كلا الطرفين الذي يوفر الفرصة للتوصل الى توافق ينهي الأزمة الحالية التي يبدوا الشفاء منها عسيرا؟
الإخوة الاكراد يقولون لا بديل عن الاستفتاء الا الانفصال. بينما تقول الحكومة المركزية في بغداد لا مفاوضات مع أربيل ما لم تلغ او تتنازل عن نتائج الاستفتاء. بل اكثر من ذلك يقول السيد علي العلاق ان رفض الحوار مع أربيل دستوري وان ما ينطبق على كردستان الان المثل: جنت على نفسها براقش.
الإخوة الاكراد لم يغلقوا الباب بوجه الحوار ، ولكن عاد ذلك الحوار بشروط مسبقة ، لا تذكر الشروط ، ولكن تعلن عنها نتائج الاستفتاء. انها لن تقبل بنتيجة تحصل عليها من بغداد تقل عن نتيجة الاستفتاء. وتريد ايضا ان تحصل على ذلك الحل بالاتفاق مع الحكومة في بغداد وليس عبر إصلاح العمل في البرلمان العراقي. اي انها تريد ان تنجز الاتفاق المنشود وفق التفاهمات السابقة وليس وفق اي طريق اخر. انها لو كانت تريد إصلاح البرلمان بتغيير التوازن فيه لاستطاعت ذلك. ولكنها لا يشغلها دور البرلمان بقدر ما يشغلها ان تحصل كردستان على مبتغاها الإقليمي. وعبر عن ذلك او أغلق الباب بوجه البرلمان العراقي السيد هوشيار زيباري بأستشهادة ببيت شعر للمرحوم الرصافي: علم وحكومة ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف.
ان الاتهام الذي استندت عليه القيادة الكردية لتبرر اجراء الاستفتاء او لتحقيق الانفصال هو ان شكل نظام الحكم القائم في بغداد الان ديني – طائفي بينما الذي تنشده كردستان او ما تم الاتفاق عليه في السابق ، وفق برنامج العملية السياسية ، ان يكون نظام مدني. وهذا الموضوع مردود على الإخوة الاكراد من ناحيتين: (١) ان نظام الحكم الجاري في بغداد ، وان كان كذلك ، ولكنه منفصل نهائيا عن نظام الحكم المتبع في كردستان منذ سنة ٢٠٠٣ ولحد الان. فبغداد لا تتدخل بأي شأن من شؤون كردستان. فالإقليم يتجاوز في الصلاحيات النظام الفدرالي ، المتعارف عليه عالميا ، ليبلغ اعلى درجات الكونفدرالية. و(٢) بألامكان إصلاح النظام الحالي في بغداد وتوجيهه صوب الرؤيا المدنية عبر الاتفاق مع السيد العبادي وتشكيل حكومة جديدة برئاسته ، او مع غيره ، في البرلمان العراقي ، طالما ان من ينشد الاصلاح فيه عادوا كثر ومن متنوع الألوان ، ولا ينقصهم غير دعم الإخوة الاكراد لهم ليحققوا النصاب المطلوب لذلك.
والان عوده للموقف الامريكي من الأزمة والذي لم تبديه لحد الان واكتفت بإحداث التوازن. تارة ترفض الاستفتاء ، وتارة اخرى ترفض الإجراءات التي اتخذتها بغداد لصد ما يرمي اليه الاستفتاء. وبدون اي شك الحل الامريكي للازمة الحالية سيكون حل مؤقت القصد منه نزع فتيل التوتر بين الطرفين في الوقت الراهن ليعود التوتر ولأقوى من الحالي بعد فترة من الزمن. أمريكا لا تملك في جعبتها الحلول وانما تمتلك تسويفها وتركها للمستقبل عسى ان تكون ظروف المستقبل للعراق مهيئة لمثل هذه التسويات اكثر من الظروف الحالية.
الولايات المتحدة استجابت في الماضي للرغبتين المشتركتين التركية والايرانية بفرض حظر الطيران على شمالي العراق ، لما لاهمية تأمين الاستقرار في كردستان في حينه ، ولضمان الدور الفعّال لكل منهما ، تركيا وإيران ، في تطبيق الحصار الجائر على العراق ، وإدراكها ان لا حصار من غير هاتين الدولتين ، فأصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم (٦٨٨) لسنة ١٩٩١. ولكن لم يفوت الولايات المتحدة تحديد الارض الجغرافية للقرار بحيث لا تتجاوز جغرافية المحافظات الكردية الثلاثة السليمانية واربيل ودهوك. اي الاراضي التي يدعي الإخوة الاكراد انها متنازع عليها كلها خارج جغرافية القًرار المذكور. ومرة اخرى رفضت الولايات المتحدة ان تزيد عدد المحافظات التي تتطلع لإقامة اقليم عن ثلاثة لتبقي كركوك خارج المدى الكردستاني.
ولكن هل قالت الولايات المتحدة للاخوة الاكراد ان كركوك وبقية الاراضي المتنازع عليها خط احمر ولا حق للاخوة الاكراد بها ، لا لم تقل لهم ذلك ، وانما قالت لهم ان هذه الأمور تحل بالحوار والتوافًق بموجب الدستور العراقي. ومازالت الولايات المتحدة تكرر نفس القول.
قرأت تعليق نشرته الاندبندنت البريطانية مضمونه ان السيد البرزاني اخطأ في التوقيت وكان ينبغي عليه ان ينتظر حتى تنتهي عمليات التخلص من داعشً، بحيث أفقدته الدعوة للاستفتاء ، بينما العمليات العسكرية جارية في العراق في الاقل ، أفقدته الدعم الامريكي والغربي لنيل الانفصال. ولا اعتقد هذا التحليل صائب لان الحذر الذي مارسته الولايات المتحدة ومعها الدول الأوربية في التعامل مع القضية الكردية في العراق مارسته من قبل الان ، ولم يكن في حينه بالبال الحرب على الاٍرهاب.
المشكلة الكردية في العراق مشكلة وطنية وليست مشكلة إقليمية او دولية. وينبغي حلها وطنيا وفِي بغداد من غير تأجيجها على ما هي عليه الان ، ومن غير اشراك اطراف اخرى في حلها لا إقليمية ولا دولية ، او ترحيلها الى وقت لاحق لانعرف ظروفه ولا ملابساته.
امام حكومة بغداد الان أمرين لا ثالث لهما. الاول ان يكون الحل جذري للمشكلة الكردية مهما كلّف ذلك من مدفوعات او إجراءات. فهي ، تلك المدفوعات ، ومهما بلغت لن تكون اكثر مما ضاع من أموال من العراق والعراقين. ثم ان المبالغ التي سوف تدفع ستكون ضمن الحدود الجغرافية للأراضي العراقية ولجزء من الشعب العراقي الذي ضاعت حقوقه في كل ارجاء العراق من الشمال الى الجنوب ، وان تكون التسوية معززة بالإجراءات ليبقى التواصل بين بغداد واربيل قائما. والثانية ان يكون الحل عام وشامل لكل العراقيين وفِي كل أنحاء العراق ولا ينحصر بكردستان فقط ، وعلى أساس مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كل المواطنين ، والمساواة بين المرأة والرجل ، بغض النظر عن التنوعات الثقافية والعِرقية