بعد ثلاثين عاما من وعد بلفور الذي تعهدت به الحكومة البريطانية لانشاء وطن قومي لليهود . وبينما يكتشف العالم الغربي هولوكوست النازية ليهود اوروبا خلال الحرب العالمية الثانية . هاجر الالاف من اليهود الى فلسطين المحتلة من قبل بريطانيا آنذاك لانشاء دولتهم الموعودة . ويبدو ان اوروبا ارادت التخلص من اليهود ، ومن عقدة معاداة السامية فدفعت بهم الى ارض فلسطين .
وبعد زراعة الكيان الاستيطاني اليهودي في فلسطين ، بتواطئ بريطاني ، أنشأ المستوطنون الجدد عصابات لارهاب وتهجير الفلسطينيين من ارضهم مثل شتيرن والارجون والهاجانا . التي شكلت فيما بعد مايعرف بجيش الدفاع الاسرائيلي .
قامت العصابات الصهيونية المذكورة بأكثر من 35 مجزرة ضد الشعب الفلسطيني لاجبارهم على الرحيل .
عندما كنا نسأل بعض اليهود في اوروبا عن اسباب هذا العنف والمذابح التي تشبه ما ارتكبه هتلر بحقهم يجيبون ان الضحية تقلد جزارها !
واذا كان الامر كذلك فهل هذا يعطي الحق للفلسطينيين ايضا بتقليد جزارهم المستوطنين اليهود ؟
فالمنطق لايتجزأ !
في 23 أغسطس/ آب 2014 نشرت محطة bbc البريطانية الخبر الاتي :
“وقع أكثر من ثلاثمئة يهودي من الناجين من الهولوكوست ونسلهم بيانا يدينون فيه ما وصفوه “بالإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة”.
اي ان ايقاع الاذى واللوم على الفلسطينيين تحت ذريعة الاضطهاد النازي لليهود لم يكن عادلا ، ولا مبررا لاحتلال فلسطين وتهجير اهلها ، حتى بنظر بعض اليهود .
ومن جانب آخر
كثيرا مانسمع ان العرب لم يستطيعوا الدفاع عن فلسطين . وان الاسلام السياسي او المقاومة الاسلامية هي التي ستعيد الارض الفلسطينية الى اصحابها الاصليين .
ولكننا بعد فترة من اسقاط الانظمة وتخريب الدول العربية وخصوصا سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان . ومحاولة تخريب جمهورية مصر العربية ، لم نجد انظمة الاسلام السياسي قد اختلفت عن الدول العربية في تعاطيها مع القضية الفلسطينية من ناحية الاستنكار . ولكنها لم تتجاسر باي فعل جاد لاغضاب الدولة العبرية على ارض الواقع كما فعلت الدول العربية .
وبالرغم من وجود مبرر للتدخل في الحرب الاخيرة بين غزة واسرائيل ، فاننا لم نشهد صواريخ من دول الاسلام السياسي تنهال على اسرائيل ، ولم نجد تطبيقا حيا ليوم القدس او الدفاع عن المسجد الاقصى اولى القبلتين وثالث الحرمين .
كما لم نجد المقاومة الاسلامية التي مزقت الدول العربية تقوم باي عمل جاد تجاه اسرائيل .
واذا كانت الانظمة العربية قد حاربت اسرائيل كل عشر سنوات تقريبا ، فلم نشهد للانظمة الاسلامية اي مواجهة مباشرة مع اسرائيل !
تعد المسألة الديموغرافية من اكبر المشكلات الأساسية والوجودية بالنسبة لإسرائيل ، وتحاول الصهيونية العالمية تشجيع اليهود في العالم للهجرة الى فلسطين ، مقابل الزيادة السكانية المرتفعة للفلسطينيين مقارنة باليهود داخل وخارج اسرائيل . فتعداد السكان الفلسطينيين يزداد أسرع بكثير من زيادة تعداد السكان اليهود، ولا يدور الحديث هنا عن الفلسطينيين في الضفة الغربية فحسب، وإنما أيضا عن مواطني “إسرائيل” من العرب . ومع مرور الوقت، ووفقا لأي شكل من أشكال التعايش بين اليهود والفلسطينيين في دولة واحدة، فإن “إسرائيل” سوف تصبح حتما في يوم من الأيام دولة فلسطينية . وليس هناك حلا “لإسرائيل” كي تحافظ على كيانها كدولة يهودية ، سوى اللجوء إلى شكل من أشكال التطهير العرقي للفلسطينيين “نظام الابرتايد” ، وبذلك ستكون اسرائيل كحكومة جنوب افريقيا العنصرية السابقة . وستواجه نفس مصيرها في الاضمحلال ومن ثم عودة السكان الاصليين الى ارضهم .
وكان السيد لودريان وزير خارجية فرنسا قد صرّح في معرض تعليقه على المواجهات التي اندلعت بين إسرائيليين وفلسطينيي الداخل في مدن عدة خلال النزاع الأخير مع غزة، بأن “مخاطر الفصل العنصري كبيرة” ما لم يتم التوصل إلى قيام دولة فلسطينية بجانب إسرائيل.
وتحت عنوان
“اسرائيل” تلفظ انفاسها الاخيرة
نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية مقالاً للكاتب الصهيوني الشهير (آري شبيت) يقول فيه : يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال ..
يدرك “الإسرائيليون” أن لا مستقبل لهم في فلسطين ، فهي ليست أرضاً بلا شعب كما كذبوا . ها هو كاتب آخر يعترف، ليس بوجود الشعب الفلسطيني، بل وبتفوقه على “الإسرائيليين”، هو (جدعون ليفي) اليهودي اليساري، إذ يقول :
يبدو أن الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا على شبابهم الغانيات وبنات الهوى والمخدرات، وقلنا ستمر بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجر الانتفاضات الواحدة تلو الاخرى .انتهى
لقد ادرك العالم بان ايقاف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لايتم الا ب “حل الدولتين” فهو المخرج الوحيد . بعد ان انحرفت عملية السلام في الشرق الأوسط عن مسارها الصحيح، ولم يتم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشكل فعال، خاصة في ظل الانتهاكات المستمرة بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة .
اصبحت الضرورة ملحة لإيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية على أساس “حل الدولتين” ، باستئناف مفاوضات السلام في أسرع وقت ممكن .
أن تشابك المناطق ليس عقبة لا يمكن التغلب عليها . وفي حالة القدس ، يمكن تقاسمها وتصبح عاصمة لدولتين.
وبالتالي ، فإن العقبة الرئيسية أمام حل الدولتين ليست جغرافية بل سياسية .
سيكون الاتفاق ممكنًا عندما يفهم الجميع أن ثمن عدم وجود اتفاق سيكون باهضا لكل الاطراف ، وهو بالتاكيد أعلى بكثير من ثمن التسوية السلمية للصراع .
ويبقى حل الدولتين هو الحل الوحيد لهذا الصراع ، دولة للإسرائيليين ودولة مستقلة للفلسطينيين .
ان الوضع الدولي والرأي العام العالمي مهئ الآن اكثر من اي وقت مضى لايجاد حل لهذا النزاع الذي طال امده .
واخيرا ، وبعيدا عن الشعارات والمزايدات ، فان هناك حاجة للقوى الفلسطينية وفصائلها المختلفة إلى مراجعة شاملة لكل التجارب السابقة واستخلاص الدروس والعبر من اجل التوصل الى صيغة مقبولة متفق عليها لحل القضية الفلسطينية ، آخذين بنظر الاعتبار جوهر الصراع العربي الاسرائيلي، والخروج بحلول وطنية منسجمة مع خصوصياته .