واحدة من أبرز إفرازات الصراع السياسي في العراق هو ذلك الجانب الذي يتعلق بالمفاهيم ، فبسبب التسييس تعرضت جملة من المفهومات الاخلاقية و الوطنية الى تشويه بسبب التداولية السياسية العراقية ، فمثلا لم يعد مفهوم ( المصالحة الوطنية ) يعطي ذات الدلالة و المعنى اللغوي و ألمضموني لمصطلحي ( المصالحة ) و ( الوطنية ) ، و ذلك لانها ببساطة هذه المفهومات (سيّست ) فمفاهيم من قبيل ( النزاهة ، الوحدة الوطنية ، المشاركة الوطنية و الخ ) هي الأخرى فقدت بريقها و قبولها بسبب التوظيفات السيئة لها من أجل مصالح سياسية … الأمر هذا شكل أكثر من كونه ممارسات تتحرك في مناطق معينة بين مجموعة من المسئولين و السياسيين و إنما و هو ما يمثل مشكلة كبيرة عندما تحول ذلك إلى ( خطاب )
و الخطاب هنا تجسد بكونهِ صناعة للوعي و الرأي ، فعندما تسخر كل وسائل الإعلام من أجل استخدام هذه المفاهيم الأخلاقية والوطنية في عمليات التقسيط و التخوين ، وهنا علينا أن ندرك أننا نتحدث عن هذا الموضوع في هذه المرحلة التي تطور وسيطرت وسائل الاتصال على وعي الإنسان بشكلٍ لم تبلغه في أي مرحلة من مراحل تأريخ الاتصال ، وهنا جاءت الاستخدامات لهذه الوسائل المتعددة بهذا النهج الذي يقدم السُم بالعسل ، لتكون النتيجة أن حالة من الاضطراب النفسي صارت سمة عامة للجمهور العام فضلا عن حالة من عدم الثقة العامة بكل الأعمال و الأشخاص العامين ، ولذلك تجد أن ( اللغة المُرسلة ) و ( التعميم ) هي اللغة الوحيدة المستخدمة في هذه العملية ، وللتمثيل على ذلك : بإمكان أي مُتدبر في كل ما طرح ضد السلطة القضائية في العراق سيجد أنه لا يعدو كونه جملة مُرسلة و مطالبات تتعكز على مفاهيم صالحة إلا أنها لم تمتد في أي مرة إلى فكر تفكيكي أو تخصصي يؤشر على مشكلة تُشخص بعناية و تقدم على أساس علمي و منهجي ، فما يطرح هو :
( ينبغي إصلاح القضاء ؛ لكن أحدا لم يقول ما هو هذا الاصلاح و مالذي ينبغي ان يصلح وكيفية هذا الاصلاح ومن عليه أن يقوم به ، أو أن تطلق الاتهامات بعدم العدالة أو بالانحياز ؛ إلا أنها لم تدعم ببرهان أو حجة على ذلك ) هذه العملية تأتي بسلطة بحجم القضاء لتوضع بطريقة إبليسية بمواجهة حقيقية مع الجمهور العام الذي حتما أن اغلبيته ليسوا من المتخصصين أو يملكون القدرة على الفرز هذا .